Thursday, October 20, 2011

أمٌّ


هذه أبيات شعرية كنت قد كتبتها منذ زمن، تذكرتها وتذكرت ما فيها هذه الأيام مع ما نراه يتكرر يوميا من مشاهد القتل التي يرتكبها سفاحو هذه الأيام بحق الشباب، ومع ما نشعر به جميعا من معاناة أهالي ذويهم وبالذات أمهاتهم، أهديها اليوم إلى كل أم فقدت ابنها في ساحات مقاومة الظلم والطغيان، في سوريا واليمن وغيرهم من البلاد الطامحة إلى الحرية، حتى أمهات الشهداء في مصر وتونس وليبيا، وأقول لهم هنيئا لكم أن صار أبناؤكم شهداء بإذن الله..

أمٌّ أنا فقدت حياةَ وحيدِها ** نبراسَ دنيَتِها وفَلَذَةَ كَبدِها
أمٌّ تحمَّلَت المشاقَّ لأَجلِهِ ** وبنَتْهُ رَجُلًا فهو قُرَّةُ عينِها
كانت تعيشُ الدُّنيا قبلَ مجِيئِهِ ** يَوماً بِيومٍ، ليس تَشغَلُ رَأسَها
كانت بِلا هَدَفٍ تعيشُ لأجلِهِ ** كانت بِلا أَهلٍ، ولا حُبٍ لها

وأتَاهَا طِفلٌ تعتليهِ بَراءَةٌ ** كانت تَهيمُ تراهُ يحبُو أَمامَهَا
نشَأَ الصَّغيرُ على مَحبَّةِ أُمِّهِ ** رَضَعَ الحنانَ مع الغِذاءَ بصَدْرِها
فاستَرْخَصَتْ زيفَ الحياةِ لأَجلِهِ ** وتَنَزَّهَتْ عمَّا يُشاغِلُ بالَهَا
أعطَتْهُ دنياهَا وصَارَتْ مُلكهُ ** فتعلَّمَتْ منهَا جميعُ حواسِّهَا
صمَّاءُ، لم تعرِفْ لغيرِهِ نبرةً ** عميَاءُ، كان الإبْنُ نورَ عيونِها
خَرساءُ، تنطِقُ إن تكلَّمَ أو هَمَسْ ** تحيا بلا أَمَلٍ وكانَ آمَالُها
وتمرُّ أيامٌ ويكبُرُ طِفلُها ** ويصيرُ شَابًّا، قد تحقَّقَ حُلْمُهَا
فإذا أتَاهَا تَخشَى وقتَ رحيلِهِ ** وإذا مضَى عنها يَشيطُ عَذَابُها
دَانَت لِحُبِّهمَا الحياةُ كأنَّما ** خُلِقَت لأجلِهما السَّعادةُ نفسها
وبِلَحظَةٍ لم تَنتَظِرُها أُمُّهُ ** ماتَ الوحيدُ، فهل تُصدِّقُ وعيَهَا؟
"هل ماتَ؟" قالتْ، والدُّموعُ بعينِها ** وتَراهُ يرقُدُ لا يُحِسُّ وجودَها
وتراهُ يُقبِلُ للفِراقِ على مَهَل ** وتراهُ يرفُضُ أن يَعيشَ لأَجلِهَا
وتَراهُ يَرحَلُ والعُيونُ تُشاهِدُهْ ** وتَراهُ يَرفُضُ أن يُجيبَ صُرَاخَهَا
لم تُجْدِ قُبُلاتِ الحَيَاةِ الحَارِقَة ** ما عَادَ ينطِقُ، قد قَضَتْ أقدَارُهُا
فبَكَتْهُ أيامًا، وضَحِكَتْ بعدَهَا ** وبُكاؤُها نَهرٌ حبيسُ فؤَادها!
وتكرَّرَتْ مأسَاةُ ذكرى مَوتِهِ ** فيموتُ يومِيًّا أمامَ عُيونِها
عادتْ كما كانت وأَسوَأَ حالةً ** صارت بلا طَعْمٍ تمرُّ حياتُها
يا أمُّ صبرًا في مُصابِكِ إنَّهُ ** بِيَدِ الإلَهِ مصيرُنا، قولُوا لُها
الصَّبْرُ صبَّارٌ وكأسُهُ علقَمٌ ** لكن إذا تَشْرَبْهُ نِعْمَ جَزَاؤُها
والله يَرْزُقُ وهوَ أيضًا مُمْسِكٌ ** وهِيَ الحياةُ، ولَوْ قَسَتْ سنَعِيشُها


كتبت في 24/6/1999
نشرت في مدونة نبضات في 
حقوق الطبع والنشر محفوظة

9 comments:

  1. أعتذر عن تأخير موعد نشر هذه التدوينة والذي كان مقررا بالأمس حيث صادفتني ظروف طارئة منعتني من التواجد بالبيت طوال اليوم، وها أنا أنشرها اليوم مع صيحات التكبير فرحا بمقتل القذافي..
    أتمنى أن تحوز رضاكم..
    بهاء

    ReplyDelete
  2. كلماتٌ رائعة و معبرة و تثير في النفس الشجون و تدعو العبرات للوقوف ...

    أشاركك الفرحة بمقتل القذافي و شكرًا للمشاركة !

    دمت و دام قلمك مباركًا ...
    تحيآتي لكْ ...

    ReplyDelete
  3. لغة جميلة وبلاغة رائعة
    لغة نادراً ما نقرأها هذه الأيام
    تقبل خالص تقديرى واحترامى
    بارك الله فيك وأعزك

    ReplyDelete
  4. dodo, the honey
    أشكر لك كثيرا مرورك وتعليقك، وبارك الله فيك وعقبال ما نفرح جميعا بمصير البقية الباقية من الطغاة..
    تقبلي تحياتي..

    ReplyDelete
  5. أستاذي الفاضل/ محمد الجرايحي..
    أشكر لك مرورك ومتابعتك المستمرة لمدونتي وما أكتب فيها، علما بأنك دائما ما تحرجني بإطرائك الجميل الذي أتمنى دوما أن أكون أهلا له.
    تقبل تحياتي..

    ReplyDelete
  6. شعر رائع

    جزاكم الله خيرا

    ReplyDelete
  7. محبة الرحمن..

    شرفتينا وآنستينا، وجزاك الله خيرا.

    ReplyDelete
  8. ابيات رائعه جدا....سلمت يمناك وسلم فكرك.
    طوبى للشهداء وربنا يصبرّ امهاتهم ويثبت قلوبهم يا رب.

    ReplyDelete
  9. نيسان..
    جزاك الله خيرا..
    يشرفني كثيرا أن أجد تعليقك على مدونتي المتواضعة.
    اللهم ارحم أمواتنا وشهداءنا وثبت قلوب أمهاتهم.
    آمين~~
    تقبلي خالص تحياتي..

    ReplyDelete

أسعدني تشريفك، وبلا شك سيسعدني أكثر تعليقك، فلا تبخل به:)