Wednesday, May 16, 2012

عند مشارق الأرض (4).. سر التنين الصيني

صورة من شرفة الغرفة في الفندق في إيووووووو !
اليوم أتحدث عن الجانب الاقتصادي للصين.. وأظن أن هذه التدوينة هي من أمتع وأهم ما كتبته عن تلك الرحلة!
قلت من قبل أنني لست من المعجبين بالصناعة الصينية عموما، لذلك لم أكن متحمسا حينما تم تكليفي بالسفر إلى الصين في تلك المأمورية لزيارة مصانع صينية واكتساب بعض من الخبرات لديهم، لكنني أزعم أنني قد اطلعت على أسرار تفوق الاقتصاد الصيني وعظمته في تلك الرحلة!
الحقيقة أن الزيارة كانت مركزة على زيارة جهة وحيدة، لم تكن مصنعا كبيرا، بل هي ورشة صغيرة تقوم بعملية صناعية لم يكن لدي خبرة سابقة بها، لذلك فإن انطباعي السابق عن الصناعة الصينية لم يتغير بتلك الرحلة، حيث أن تلك الورشة (باستثناء تلك المعلومات الجديدة التي تعلمناها) كانت أسوأ حالا من كثير من الورش الصناعية الموجودة في مصر مثلا سواء من الناحية العملية أو الناحية الإدارية أو البيئية.
غير أنني لفت نظري شيء مهم جدا في تلك الورشة، وهي أنها متخصصة في صناعة شيء واحد فقط، تخصص دقيق جدا، تقوم به ورشة بسيطة جدا جدا، غير أنها معروفة لجميع العاملين في الصناعات المغذية لها، والورشة موجودة في مجمع صناعي صغير يشتمل على أربع أو خمس ورش صغيرة يتشارك فيها عدد من صغار رجال الأعمال، ويأتي إليها الزبائن حتى بابهم!
هذه الملحوظة ارتبطت بما استنتجته من أنه لا يوجد لدى هذه الورش والمصانع الصغيرة مشكلة في التسويق، لدرجة أنني أستطيع أن أعمم وأقول أن مشكلة التسويق بالنسبة للورش والمصانع الصغيرة هناك تعتبر محلولة.
هذا الكلام يسحبني شيئا فشيئا للحديث عن أكثر شيء أبهرني في زيارتي للصين، ألا وهو التسويق!
في بلادنا، تعتبر مسألة التسويق هي أصعب ما يواجه أي مستثمر جاد يريد أن يفتتح مشروعا صناعيا، وتزداد العقبات التسويقية كلما كان حجم المشروع أصغر.
أما في الصين، فلم ألاحظ أن هناك أي مشاكل تسويقية تواجه أصحاب الورش والمصانع الصغيرة، واضح أن الحكومة هناك توجه دعما قويا للصناعات الصغيرة والمتخصصة يتمثل في تسهيل عمليات التسويق بما يزيل عائقا مهما أمام تحقيق نمو صناعي هائل، حتى وإن كانت جودة تلك الصناعات متواضعة.

أمام سوق فوتيان 00 طبعا واضح ال 40 ألف محل :)
ومما زاد من تأكيد هذا الانطباع هو ما تيسر لي أن أقوم بزيارته في الصين في اليوم الأخير لإقامتي هناك، وهو سوق تجاري ضخم جدا في مدينة "إيوو" يدعى "سوق فوتيان"، هذا السوق الذي يحتوي على أكثر من 40 ألف محل مقام على مساحة أكثر من 700 ألف متر مربع (يستحيل أن تنتهي من التجول فيه خلال بضعة أيام!)، هذا السوق الضخم يقف خلفه نظام شرائي وتسويقي هائل، حيث يحتوي على أكثر من 150 ألف منتج مختلف، تجد فيه أدق المنتجات وأكثرها تخصصا تباع بالجملة وبكميات ضخمة، تخيل أنني وجدت فيه محلات متخصصة في بيع أجزاء محددة من ستارة الحمام التي تباع في بلادنا مجمعة! هذا السوق يزوره يوميا بين 100 و150 الف زائر من مختلف البلاد، وهذا السوق هو واحد من مجموعة مشابهة من الأسواق تتواجد في هذه المدينة الإقليمية وحدها، ومثلها عدد من المدن الأخرى في الصين!!!!
إنها ليست ثورة صناعية، بل هي ثورة تجارية وتسويقية، هذا هو حقيقة وسر قوة الاقتصاد الصيني.
سر آخر سأنقله لكم..
لفت نظري منذ اليوم الأول في زيارتي خلو الشوارع هناك من أنواع السيارات الصينية المنتشرة في بلادنا، وانتشار أنواع السيارات العالمية الحديثة، حيث الفولكس فاجن والهوندا والتويوتا والمرسيدس والسيارات الأمريكية بجميع أنواعها وفئاتها، وكلها سيارات حديثة، وهذه السيارات تشكل أكثر من 90% من إجمالي ما يمكن أن تلتقطه العيون من السيارات الملاكي في الشوارع والطرق الصينية، فإذا بي أفاجأ أثناء حوار مع أحد المهندسين المصريين المرافقين لي ممن له خبرة طويلة في التجارة مع الصين، أن أنواع تلك السيارات الحديثة كلها مصنعة في الصين!!
كيف؟!
لنفترض مثلا أن شركة سيارات عالمية تريد أن تصدر سيارتها الجديدة إلى الصين (واحدة من أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم)، نجد أن الحكومة الصينية تتيح لهذه الشركة واحد من حلين: إما أن تقوم هذه الشركة بتصدير سيارتها إلى الصين ويتم فرض نسب ضخمة جدا من الجمارك ومعوقات تسويقية هائلة، وإما أن تقبل الشركة عرض الحكومة الصينية!
هذا العرض عبارة عن أن تقوم الحكومة الصينية بتخصيص قطعة من الأرض تختارها الشركة الخارجية لإقامة مصنع لها على أرض الصين بهدف تصنيع تلك السيارة، ويتم تقديم كل التسهيلات والخدمات والإعفاءات الضريبية لهذا المصنع، بشرط أن يتم تشغيل نسبة محددة من العمالة الصينية فيه، وأن يكون للمواطنين الصينيين نسبة محددة من الإدارة، وتقوم الشركة الأم بفرض مواصفات الجودة التي تراها مناسبة في هذا المصنع، والنتائج معلومة:
سيارات حديثة تجوب الشوارع والطرق الصينية بأسعار زهيدة، وتشغيل كمية كبيرة من الأيدي العاملة الصينية في مصانع السيارات، واكتساب هذه العمالة خبرات نادرة بالعمل في مصانع سيارات كبرى، والأهم من كل ذلك أن السيارات المنتجة يمكن تصديرها لتعود بالعملة الصعبة على البلد، وما الذي خسرته الحكومة؟ قطعة أرض خالية غير مستغلة!
ويمكن القياس على ذلك في كل الصناعات الثقيلة.
هذا هو الفكر الصيني، وهذا هو سر نجاح ذلك التنين الاقتصادي الذي بات يرهب أعتى اقتصاديات العالم.
فهل لنا أن نحلم بأن نحقق في يوم ما ربع ما حققوه وأنجزوه.
للحديث بقية مع جانب آخر من الجوانب التي رصدتها في تلك الرحلة.

8 comments:

  1. السلام عليكم

    إنها ليست ثورة صناعية، بل هي ثورة تجارية وتسويقية، هذا هو حقيقة وسر قوة الاقتصاد الصيني.

    اعتقد ان السر الاساسى وراء نجاح الصين بهذا الشكل الضخم ليس فى الصناعة او التسويق بقدر ان السر الاكبر يكمن فى حب الانسان الصينى لعمله واتقانه له وعمله الدائم لرقى بلده والنهوض بمستواها

    الانسان الصينى سواء رجل او أمرأة او حتى طفل اعتقد انه يتصف بال ( ضمير ) فى عمله الذى يفعله ويقوم به وهذا ما ينقصنا نحن كمصريين
    تاكد اخى بهاء ان كل مقومات النهوض بمصر متوفرة لدينا الا الشىء المهم (( الضمييييييييير )) ليس اكثر


    ((((ان الله يحب اذا عمل احدكم عمل ان يتقنه
    وكلكم راعى وكلكم مسؤل عن رعيته )))))


    قواعد شرعية وقوانين سنها الله لنا لكن لا نسير عليها فى حياتنا ولا نطبقها الا من رحم الله منا


    صدقنى اخى بهاء كم شعرت بغيرة من حديثك عن الصين
    وايضا كنت اتابع بالوثائقية ( الجزيرة الفضائية ) فيلم عن الصين واسواق السمك بها شىء مرعب وضخم جدا وكيف يستخدمون عربات صغيرة لفرد واحد تشبه التوكتوك لتيسير حركة السير والشراء داخل السوق وفى نهاية الجولة للمتسوق يترك السيارة خارج السوق لعامل يتولى امرها

    اين نحن من كل هذا النظام والاتقان

    استمتعنا معك اخى الكريم بهذه الجولة الراااااااااااائعة وفى انتظار الجديد منها ان شاء الله


    تحياتى المتجددة لك
    دمت بخير

    ReplyDelete
  2. مما علمت منك اخي

    استنبطت انه شعب متواضع لايقلل من قيمة مايعمل

    حتي لو شئ صغير مكمل لصناعة ما

    جينما انظر اخي الي الولاعات الصيني

    واحصي القطع المختلفة المصنوعة منها هذه الولاعة

    اجد ان تكلفة صناعتها في بلادنا

    تتجاوز اكثر من عشرة اضعاف ثمنها

    مع ملاحظة جودة المنتج النهائي ودقة صنعه

    تحيتي اخي ننتظر المزيد

    ReplyDelete
  3. الأخت الفاضلة/ أم هريرة...
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...
    أتفق مع بعض ما جاء في تعليقك الجميل والمفصل عن رأيك في تفوق الاقتصاد الصيني، وأختلف مع البعض الآخر.. (وفقا لرأيي وملاحظاتي)
    فمن ناحية أتفق معك في أننا كمصريين ينقصنا الضمير والالتزام بتعاليم ديننا الذي يأمرنا بإتقان العمل وحب الوطن ومراقبة الله في السر والعلن، وأن هذا هو السبيل الوحيد للتقدم والرقي الصناعي والتجاري بل والحياتي..
    ولكن أختلف معك في كون الصينيين يطبقون هذه الأمور!!
    فما لمسته أن هناك التزام شديد الجدية من المواطن الصيني بعمله لا يرجع سببه إلى وجود ضمير لديه (في رأيي) بل لأنه لا يستطيع أساسا أن يعيش بدون هذا الالتزام، فالعيش هناك أشبه بالعيش في طاحونة من لم يعمل فيها يتعرض للفرم، إن لم تعمل تموت، ومن يعمل بإتقان هناك فدافعه الأول والأخير هو المادة، بينما لم ألمس وجود دوافع معنوية لديهم..
    وجود دوافع معنوية للوصول إلى التفوق الصناعي والتجاري والحياتي ككل وتواجد هذا "الضميييير" يمكن أن يكون صحيحا (إلى حد ما) في المجتمعات الأوروبية المتقدمة وكان موجودا في صدر الدولة الإسلامية.
    تقبلي تحياتي..

    ReplyDelete
  4. حبيبي وأخي الغالي/ سواح في ملك الله..
    معك حق في كل ما قلته، فهو شعب يحب لا يتكبر على العمل في أي شيء كان.
    أما موضوع الولاعة ومكوناتها فهو سر من أسرار نجاح هذا التنين وهو تسويق كل مكون من مكوناتها بسهولة ويسر ما يوفر مجهودات الدعاية ومصاريف النقل والتسويق وخلافه لتخرج هذه الولاعة بعد شحنها لمصر بجنيه واحد فقط.
    إنه العمل الجماعي ولكن على مستوى الدولة كلها.
    تقبل تحياتي..

    ReplyDelete
  5. صدقني يا أخي ما نعانيه من تخلف حضاري علي مختلف الاصعده هو في الاصل يعزي الي استبداد سياسي هذا الاستبداد هو سبب كل الكوارث التي المت بنا.

    " فالاستبداد اصل كل داء"
    هذه مقوله للكواكبي في كتابه عن الاستبداد الذي ذكري فيه ان الاستبداد يجر الشعوب الي التسفل بينما الحريه تدفعه الي الترقي ,فاذا كان العدل اساس الملك فالاستبداد خراب للعمران.

    ولعلك تلاحظ بعد الثوره العظيمه وبعد سقوط الطاغيه الأمال الكبري التي يتطلع اليها الشعب المصري في مستقبله ,يعلم انه ثمة تحديات تجابهه ولكن عنده ييقين انه في ظل الحريه سوف تتفجر الطاقات وتبدع العقول .

    حقيقي يا صديقي استمتعت جدا جدا بمقاللك الرائع

    ومنتظر المزيد

    ReplyDelete
  6. أخي الغالي/ rack-yourminds..
    أتفق مع كلامك عن خطورة الاستبداد وأثره السلبي على التطور، وأزعم أن الصين قد تخلصت فعلا من هذا الداء منذ زمن، غير أنه يبقى للمسئولين هناك أن يهتموا قليلا بالجوانب المعنوية للشعب كالثقافة والتعليم والبيئة.
    وما زلنا نحلم باليوم الذي نرى فيه نتيجة سقوط الاستبداد (جزئيا) في بلادنا.
    تقبل تحياتي..

    ReplyDelete
  7. الأخت/ سراج...
    أهل وسهلا بك في زيارتك الأولى للمدونة.
    يسعدنا تواجدك بيننا.
    اللهم آمين~

    ReplyDelete

أسعدني تشريفك، وبلا شك سيسعدني أكثر تعليقك، فلا تبخل به:)