Saturday, November 3, 2012

من يوميات مسافر.. جامع عمرو

جامع عمرو بن العاص بمئذنته الصغيرة تعانق الآفاق
أصطحبكم اليوم في رحلة داخل حدود مصر، في قلب القاهرة الفاطمية، إنها رحلة قلبية قبل أن تكون مكانية، إلى جامع عمرو بن العاص.
ربما نعرف جميعا أنه أول مسجد بني في مصر، ربما يعرف الكثير منا أنه أكبر المساجد في مصر، ولكن قليلون هم من يعرفون قيمة هذا المسجد الذي انطلق منه الإسلام إلى كل إفريقيا ومعظم أوروبا.
أقام سيدنا عمرو بن العاص هذا المسجد لأول مرة في نفس المكان المقام عليه حاليا وهو محل خيمته التي نصبها في مدينة الفسطاط، وكان هدفه من إنشائه هو أن يكون مكانا يستوعب جيش الفتح لأداء الصلاة وإقامة دروس العلم وليكون منارة ينطلق منها الإسلام إلى القارة الإفريقية كلها، وكان ذلك في بلد لم يكن يعرف شيئا عن الإسلام، وهنا وقفة مهمة للتدبر، فقد أقام عمرو بن العاص مسجدا ضخما وكبيرا في بلد ليس فيه إسلام في ذلك الوقت، وها هو اليوم قد صار بمساحته الهائلة يضيق على المصلين فيه من المسلمين بسبب كثرة عددهم، وهو درس عظيم لمن أراد أن يتجاوز ببصره ليعرف إلى أين يمكن أن يبلغ صدى دعوته، وليدرك أن ما علينا إلا الأذان، وعلى الله التبليغ!
رابع أكبر مسجد على الكرة الأرضية حسب بعض الأقوال، تعرض عدة مرات للهدم وإعادة البناء والترميم التي كان آخرها منذ بضع سنوات، غير أن أرض المسجد ظلت كما هي بنفس المستوى، وهذا يفسر انخفاض مستوى أرضية المسجد عن الأراضي المحيطة به، لدرجة أن مئذنة المسجد قد تقترب من مستوى الأرض المحيطة!

المنطقة المحيطة بجامع عمرو ولا مكان لقدم ليلة السابع والعشرين من رمضان

كانت أول مرة أزور فيها هذا المسجد عندما كنت بالسنة الجامعية الثانية، حيث كنت قد بدأت في التعرف على صحبة من الأصدقاء الملتزمين دينيا (جزاهم الله عني كل خير) الذين جذبوني تدريجيا من حياة البعد عن الله، حيث كان ذلك بعد انتهاء امتحانات الترم الأول بالجامعة مباشرة، وكنا في العشر الأواخر من رمضان، ذلك الشهر الذي يميز جامع عمرو بن العاص، ذهبت معهم للصلاة خلف الشيخ محمد جبريل، وكانت أول مرة أصلي فيها في هذا المسجد وأول مرة أستمع فيها لصوت هذا القارئ المميز.
عرفت في تلك الفترة أن هناك من أصحابي من يعتكفون في المسجد في العشر الأواخر من رمضان متخفين عن العيون الأمنية، كان اعتكافهم لبضعة أيام وليس للأيام كلها، إلا أنني لم أشاركهم.
ظلت تربطني علاقة خاصة بهذا الجامع وبالصلاة فيه خلف الشيخ محمد جبريل، على الرغم من تفرق أصدقائي جميعا عني إلى حياتهم والتزاماتهم، فصرت لا أذهب إلى هناك إلا منفردا، وبدأت أمارس عبادة الاعتكاف في بعض أيام العشر الأواخر من رمضان بنفس الصورة التي كان يمارسها أصدقائي بعيدا عن المراقبة الأمنية.

صحن المسجد وقد تغطى بالمصلين في ليالي رمضان

وبمضي الأيام والسنين، صرت أتعرف في المسجد على جوانب تجذبني إليه أكثر من مجرد الصلاة خلف الشيخ محمد جبريل الذي صار لا يؤم الناس بالصلاة هناك إلا في ليلة السابع والعشرين من رمضان فقط، حيث صرت أتعرف على كثير من أوجه الخير التي يمكن للإنسان أن يمارسها بالإضافة إلى حضور دروس العلم، تعرفت هناك على أناس يقومون بخدمة آلاف المعتكفين بالمسجد دون أي مقابل مادي، وأناس يتولون السقاية وآخرون يتولون نظافة المسجد، وآخرون وآخرون... إنه حب العمل لوجه الله.
وفي العامين الأخيرين بعد الثورة، تحررت الدعوة بالمسجد من كثير من القيود، وتعرفت هناك على مشايخ عظام من أئمة الدعاة في مصر وحضرت لهم دروسهم القيمة، وعلى رأس هؤلاء فضيلة الشيخ الدكتور/ أحمد فريد الذي أشرف على خيمة الاعتكاف بالمسجد خلال العامين الأخيرين، ذلك الرجل الذي أعتز وأفتخر أنني قابلته يوما ما وتحدثت إليه، حيث أنه في إحدى المرات تأبطني من ذراعي واصطحبني في جولة تفقدية له على خيام الاعتكاف بالمسجد وهو يجيبني على مسألة كنت قد سألته إياها، بمنتهى التواضع منه والود، وقد سبق أن خطب وحاضر ودرس في هذا المسجد أئمة عظام من بينهم الإمام الشافعي وابن هشام (صاحب السيرة) وفي العصر الحديث شيوخ كبار كالشيخ أبي اسحق الحويني والشيخ الدكتور/ محمد حسان والدكتور/ محمد اسماعيل المقدم.

فضيلة الدكتور أحمد فريد... أحبه في الله

وإن كنت أظن أنني لن أحافظ على تلك العادة الدينية بالاعتكاف في جامع عمرو بن العاص في السنوات القادمة، وذلك يرجع لأسباب قد لا يمكن ذكرها هنا، وربما كانت هي نفس أسباب انفضاض أصدقائي السابقين عن ذلك.

20 comments:

  1. السلام عليكم
    لا يعرف معنى هذه العلاقة الا من تعود على المساجد وتلآلف معها
    رائحة البساط اثناء السجود وبقايا اصوات الذكر وهمهمات الدعاة كلها لها فى النفس مكان اصيل

    اما جامع عمرو فله فى النفس ذاكرة طيبة مميزة فكان فى زيارات الكلية ايام الدراسة احبه كثيرا جدا

    احسنت الاختيار اخى بهاء ورائعة سيرتك مع الألتزام :) ثبتك الله على الايمان والتوقى

    بارك الله فيك و تحياتى بحجم السماء

    ReplyDelete
  2. احسنت الوصف بهاء

    وجزاك الله خيرا وجعلك ممن قال عنهم
    رسولنا

    رجلا تعلق قلبه بالمساجد

    تحيتي

    ReplyDelete
  3. جزاكم الله خيرا
    والله لقد لمست الجرح ، نفسى أصلى هناك ولكن الله لم يكتب لى ذلك ، فهو شوق لسيدنا عمرو بن العاص ، وحب
    أما الدكتور فريد فكما هو تربينا على كتبه وما زاده الله علما إلا زاده تواضعا
    تحياتى المعطرة

    ReplyDelete
  4. الأخوة الأفاضل/
    ليلى الصباحي..
    سواح في ملك الله..
    مسلم مصري...

    جزاكم الله كل خير على مشاعركم الطيبة الصادقة ودعواتكم المخلصة، وجمعنا الله دوما وإياكم على محبته في كل مكان يرضى الله عنا فيه، وجعل أعمالنا كلها خاصة لوجهه وجمعنا في الفردوس الأعلى بإذن الله.
    تقبلوا خالص تحياتي...

    ReplyDelete
  5. وصف جميل و رحلة رائعة لأول مسجد ساهم بنشر الاسلام في مصر
    مسجد كلنا نكن له الفضل
    رحم الله الشيخ محمد الغزالي الذي ساهم في تطوير المسجد حين كان اماما له و اعاد له بريقه ثانية

    ReplyDelete
  6. أخي الغالي/ مصطفى سيف الدين..
    قبل أي شيء لابد أن أقول لك: "وحشتني".
    جزاك الله خيرا على المعلومة الجميلة التي أضفتها وجعل الله ما قام به الإمام محمد الغزالي من تطوير للمسجد في ميزان حسناته، وكل من سعى لتعمير هذا المسجد وأي بيت من بيوت الله.
    ...
    ...
    على الهامش: لو كنت أعرف إن هذه التدوينة ستعيدك إلى هنا لكنت نشرتها من زمان!!!

    تقبل خالص مودتي واحترامي...

    ReplyDelete
  7. السلام عليكم
    ما شاء الله معلومات قيمة والصور رائعة مكنتش متخيلة المسجد جميل أوى كده..إن شاء الله تيجى فرصة وأزوره.
    شــيوخنا الأفاضل جزاهم الله عنا كل خير.
    مع تحياتى.

    ReplyDelete
  8. والله يا بهاء يعنى الواحد لما بيرجع يقراالكلام ده بيفتكر أيام جميلة قوى وأهم حاجه انت قلتها الصحبة الجميلة اللى كانت موجودة .

    ReplyDelete
  9. الأخت/ حبيبة...
    جزاك الله خيرا...
    والمسجد يتوق دائما شوقا لعمَّاره.
    جزى الله خيرا كل من سعى في تعمير هذا المسجد سواء بالصلاة أو بدروس العلم أو بالعمارة.
    تقبلي تحياتي...

    ReplyDelete
  10. أخي وحبيبي/ محمد طه...
    لا تتخيل مدى سعادتي أن وصلت إلى هنا!
    نورت مدونة "نبضات" وأرجو ألا تكون هذه الزيارة هي الأخيرة...
    جزاك الله عني خيرا أنت وبقية الأصدقاء.
    ذكرياتنا الجميلة هناك وفي أماكن أخرى تشتاق إلينا كما نشتاق إليها.
    أدام الله الود بيننا.

    ReplyDelete
  11. السلام عليكم
    أخي بهاء
    و تابى صورة الرحالة ان تفارقك حتى و أنت في بلدك ...
    و معها نستفيد من قدراتك المتميزة على الوصف و غبراز كل مفيد..
    أرجو أن تسمح لي الظروف يوما لزيارة هذا المسجد ومعه مصر الحبيبة...
    تحياتي

    ReplyDelete
  12. بسم الله وبعد
    رحلة موفقة .. كيف لا وأنت متجها لزيارة بيت من بيوت الله
    فمن المستظلين بظل الله عز وجل .. رجل قلبه معلق بالمساجد

    تحياتي واحترامي وتقديري لك أخي في الله بهاء
    أحبك في الله
    http://alrantisi.co.cc

    ReplyDelete
  13. بارك الله فيك على هذا العرض الممتع، فقد شوقتني للمكان، رغم بعد المسافات.
    أحيك أخي بهاء على تدويناتك المميزة على مدونتك، تحمل الفائدة دائما.

    ReplyDelete
  14. الإخوة الأعزاء...
    نحمد أبو عز الدين...
    مازن الرنتيسي...
    أبو حسام الله...
    ...
    ربما تكون هذه التدوينة قد حملت في طياتها رغبة مني في أن أنقل صورة لأحد الأماكن الرائعة في مصر لمن لم يوفقه الله لرؤيتها، وأنتم بالتأكيد من هذه الفئة المقصودة والتي أتمنى أن يكتب لي رؤيتها ولو لمرة في العمر...
    علما بأنني كنت أخشى كثيرا من ألا تروق هذه التدوينة لكثير من أحبابي المتابعين، رغم أن هذا المكان أحمل له كثير من التقدير، وتمنيت مرارا لو كتبت عنه يوما ما.
    أحبكم في الله الذي أحببتموني فيه، وجزاكم الله خيرا على كلماتكم الطيبة والصادقة.
    تقبلوا تحياتي...

    ReplyDelete
  15. جزاك الله خيرا يا صديقي
    اسال الله ان يجعل قلوبنا معلقه بمساجد الله

    بارك الله فيكي

    ReplyDelete
  16. اليبانيون عموما لهم الفخر أنهم تولّوا أمورهم بأنفسهم
    و اعتمدوا على ذواتهم و انفصلوا عن العالم الغربي لصنع حضارتهم ،،،
    أقدر فيهم هذا التفاني و الإعتزاز بالنفس و اختراق الما الغربي و هزمه في كثير من التكنولوجيا ، غير أن للإعلام و البروباجندا دور كبير ..!

    تقديري لك

    ReplyDelete
  17. أخي الحبيب/ rack your minds
    جزاك الله خيرا على كلماتك الطيبة، واستجاب الله دعاءك.
    تقبل تحياتي...

    ReplyDelete
  18. أخي الغالي/ منجي بكير...
    أشتاق دوما لزيارتك لي.
    أظن أنك قد وقعت في خطأ صغير، فتعليقك هذا أظن أن مكانه الصحيح على تدوينة "عرش المرسيدس".
    ولكن لا بأس، فاليابانيون لهم منا كل احترام وتقدير على نجاحهم في إقامة حضارة ناطحت الحضارة الغربية وهزمتها رغم أنهم عمليا أمة محتلة!
    تقبل تحياتي...

    ReplyDelete
  19. نعم بهاء أخطأت إدراج التعليق

    لكن الأهم ، أني أشكرك على تعليقك الأخير في الزمن الجميل على تعليق كان له عميق الأثر في نفسي ( و هذا لا يحصل كثيرا معي )
    تقديري و المحبّة

    منجي

    http://zaman-jamil.blogspot.com

    ReplyDelete
  20. أخي الحبيب/ منجي بكير...
    جزاك الله خيرا على كلماتك الطيبة.
    خالص تقديري واحترامي..

    ReplyDelete

أسعدني تشريفك، وبلا شك سيسعدني أكثر تعليقك، فلا تبخل به:)