Thursday, August 22, 2013

بين حواري الذكريات (3) ... ثورة اليأس

لست من المستسلمين لليأس عادة، ومن الصعب إقناعي به، غير أن اليأس صخرة قاسية جدا، كثيرا ما تتحطم عليها آمالنا وأحلامنا، لنصطدم بعدها بحقائق مخيفة تحيطنا بها الحياة من كل جانب، وتكون النتيجة الحتمية هي انكسارات وشروخ في إيماننا بالمسلمات التي باتت تتعارض مع الواقع، بينما نتعرض لسيل من الاتهامات ممن يحيطوننا، اتهامات بأننا مفرطون في الرومانسية!
كان قد مضى على التحاقي بعملي بضعة أسابيع قليلة، كان مجال العمل ممتلئا بالغموض والتحدي ومحفزات الابتكار والبحث عن حلول لمشاكل غير تقليدية، وهو ما أظنه يتناسب تماما مع شخصيتي.
وبطبيعتي العلمية، فقد هداني تفكيري إلى الاستعانة بخبرات بعض من أساتذتي في الجامعة في حل بعض المشاكل التي قابلتها، أو الحصول على توصياتهم بطرق البحث، لذلك فقد قررت الذهاب في مأمورية إلى الجامعة لمقابلة الأساتذة ومناقشتهم.
كان قد مضى على تخرجي من الجامعة حوالي عامين فقط، ولمن لا يعرف طلبة كلية العلوم، فإنهم من النوع العشري، الذي يصعب أن تنقطع علاقتهم بجامعتهم غالبا.
صعدت إلى مكاتب الأساتذة وتناقشت مع بعضهم، غير أنني لم أصل لنتيجة مرضية، ويبدو أن الأساتذة يمكن الاستفادة منهم فقط في المحاضرات، فأخذت أدور في طرقات الكلية بحثا عن المجهول، ولكن لم يكن لليأس سبيل، إلى أن قادتني قدماي إلى أحد معامل الكيمياء، هناك حيث قابلت معيدا ممن درسوا لي أثناء دراستي بالكلية.
رحب بي، وتكلمت معه في بعض المشاكل التي جئت من أجلها، علمت أنه قد حصل على منحة دراسية وأنه يستعد للسفر قريبا للخارج لاستكمال دراسته.
استفضنا في المناقشة، وأظنه قد شعر مني بقدر من الإصرار على التعامل مع المشاكل وعدم الهروب منها، فوجدته يسألني عن مكان عملي ووظيفتي فيه، وأنهى حديثه معي بنصيحة قال أنها صادقة وأخوية، حيث طلب مني هذا المعيد أن أرحل من البلد!
وقال لي ما يفيد بأن السكة التي أسير فيها ستقودني يوما إلى الجنون إذا صممت على استكمالها، فهذا البلد لا مكان فيه للناجحين ولا لطالبي النجاح.
استقبلت كلماته باهتمام قليل حينها، ولم أكترث كثيرا بما قال.
وبعد حوالي إثني عشر عاما، أجبرتني ظروف العمل على القيام بزيارة بحثية شبيهة إلى المركز القومي للبحوث، لأقابل هناك مجموعة أخرى من الأساتذة، ولكن هناك فرق كبير بين الزيارة الأولى التي كانت بدافع شخصي وبين الزيارة الثانية التي كانت إجبارية، ولكنني في الزيارة الثانية شاهدت بعيني حقائق كثيرة تجاهلتها في الزيارة الأولى رغم أنها كانت ماثلة أمامي منذ البداية.
ترى هلى تسرب اليأس إلى نفوسنا؟ أم أننا كنا مدفوعين بثورة رومانسية ما لبثت أن هدأت لنصطدم بحقائق الأمور المخيفة؟

6 comments:

  1. لو كل واحد واحهته ظروف صعبة في بلده قرر الرحيل عنها ، لن تجد أحد هنا .. تخيل أني بإمكاني الهجرة إلى أمريكا " بلد الأحلام " حيث يعيش أخي وعائلته وأختي وعائلتها ، إلا أني متمسكة بالبقاء هنا في غزة ، رغم الحصار ورغم الصعوبات التي نواجهها في حياتنا اليومية من فقر وغلاء معيشة وانقطاع كهرباء وتأخر رواتب وانقسام وحصار وملوحة ماء الشرب والاحتلال وووووووو .. إلا أنني اشعر بأني مثل السمكة وغزة مثل البحر ، لو طلعت منها اموووووت .. لا ترحل ... لا تيأس .. استمر وغداً سوف تكافئ بما تستحق

    ReplyDelete
  2. الأخت العزيزة/ وجع البنفسج...
    أشكر لك كلماتك الطيبة.
    لم يكن المقصود أن أعبر عن رغبتي في الرحيل، فما زال هناك آمال كثيرة معقودة بانتظار تحقيقها قريبا بإذن الله.
    غير أنني أردت أن أعبر عن حالة خاصة جدا من اليأس باتت تزحف على أحلامنا التي طالما بنيناها وانتظرناها بفارغ الصبر.
    ربما لسنا مثل الغزاوية، حيث أنتم قد جربتم الحال الصعب بينما نحن قد نكون أكثر رفاهية، وبالتالي أقل صبرا!
    وأعود وأقول أن فكرة الرحيل في حد ذاتها قد تعتبر حلا واقعيا ومنطقيا في بعض الأحيان.
    تقبلي تحياتي...

    ReplyDelete
  3. نحن شعوب لا تيأس .. ولكن هناك من يُدخل إلى أجسامنا عقاقير اليأس والقنوط .. نحن نؤمن بالقضاء والقدر .. ونعلم أجر الصبر ونحارب من أجل العزة مهما كانت قوة المخدر الذي نتناوله.... لك تحياتي أخي العزيز....

    ReplyDelete
  4. التدوينة دى أنا خايفة منها تحصل فى مســتقبلى..
    بس بصراحة عندى استعداد أسـافر وأدرس وأتعلم وألاقى حلول..وأرجع لبلدى لو فضل فيها حاجة سليمة أنفعها بالعلم ده...
    أو جايز كلهم بيقولوا كده ومش بيرجعوا...
    نحن لم نيأس..ولكننا أجبرنا على اليأس.
    تحياتى.

    ReplyDelete
  5. أخي الغالي/ بندر الأسمري...
    وآه وألف آه من هذه العقاقير.
    وممن يجبرونا على تعاطيها
    أسأل الله السلامة...
    تقبل تحياتي...

    ReplyDelete
  6. الأخت الفاضلة/ حبيبة...
    أعجبتني عبارتك الأخيرة كثيرا "نحن لم نيأس ولكننا أجبرنا على الياس".
    تتكلمين عن السفر إلى الخارج وكأنه متاح لأي فرد وفي أي وقت، بينما الواقع يقول أن المصيدة محكمة، بين جحيم الداخل واستحالة الهروب إلى الخارج!!
    تقبلي تحياتي...

    ReplyDelete

أسعدني تشريفك، وبلا شك سيسعدني أكثر تعليقك، فلا تبخل به:)