Friday, May 24, 2013

من يوميات مسافر... سويسرا للمرة الأولى (3)... يونج فراو يوخ

كان السيد "رينر" يردد عبارة واحدة على أسماعنا كثيرا: "او كنتم محظوظون بما فيه الكفاية، فستكون الشمس مشرقة عندما نصعد الجبل!".
لم نفهم مغزى هذه العبارة إلا عندما صعدنا إلى الجبل المكسي بالجليد، هناك حيث تشرق الشمس لأيام قليلة جدا على مدار العام، وباقي الأيام تكون مختفية خلف الغيوم، وليس غريبا أن تهب العواصف الثلجية على تلك المنطقة التي تنخفض فيها الحرارة إلى ما تحت الصفر طوال العام!
تحركنا باكرا جدا إلى محطة القطار في "فينجين" مرة أخرى، حيث ركبنا القطار المتجه إلى الجبل.
كانت سكة الحديد مختلفة تماما عما عهدناه، حيث كانت مكونة من ثلاثة قضبان!! القضيبان المعروفان لنا جميعا، والقضيب الثالث في المنتصف بينهما عبارة عن قضيب مسنن تسير عليه عجلة خاصة تكون في منتصف القطار عبارة عن ترس، وفائدتها هو منع انزلاق عجلات القطار العادية على القضبان بسبب الميل الشديد الذي يواجهه القطار أثناء صعود الجبل أو الهبوط من عليه!
"يونج فراويوخ" كانت هي وجهتنا، وهي عبارة عن شبه هضبة جبلية على سفح جبل "يونج فراو"، الذي هو بدوره واحد من ثلاث قمم جبلية شهيرة تقع متجاورة في جبال الألب السويسرية: "يونج فراو" على ارتفاع 4581 متر فوق سطح البحر، و"مونخ" على ارتفاع 4107 متر فوق سطح وأخيرا "إيجار" بارتفاع 3970 متر فوق سطح البحر، والمنطقة بالكامل مسجلة ضمن التراث العالمي التابعة للأمم المتحدة!
مررنا أثناء صعودنا بمحطة للقطار كان التوقف بها إجباريا، حيث كانت تحتوي على متحف يشرح كيفية بناء تلك السكة الحديدية التي تصلنا بأعلى محطة قطار في القارة الأوروبية، وكيف أمكن بناؤها في تلك المنطقة الجبلية الوعرة، وتعرفنا هناك على أجزاء من القطارات الخاصة التي تسير عليها، والتي يطلق عليها "يونج فراو بان".
"يونج فراو يوخ" تقع على السفح بين جبلي يونج فراو ومونخ، هناك على ارتفاع حوالي 3471 متر حيث تقع محطة القطار الأعلى في أوروبا.
توقف بنا القطار في الطريق مرة أخرى، حيث أتيحت لنا في تلك المحطة النظر من شبابيك خاصة على الكتل الثلجية التي تحيطنا من كل جانب، وبعدها واصلنا الصعود بالقطار إلى أن وصلنا أخيرا، إلى "يونج فراو يوخ"!
وكانت المرة الأولى التي نشاهد فيها الثلج من حولنا من كل جانب بدون أي حائل، كل شيء أبيض، درجة الحرارة 2 تحت الصفر، وكنا فعلا محظوظين بسبب أن الشمس كانت مشرقة رغم تلك الحرارة المنخفضة!
قضينا هناك حوالي ساعتين نتنقل بين المناطق السياحية المتنوعة هناك، ونلتقط بعض الصور، وتحركنا إلى مكان يطلق عليه "سفنكس" أو "أبو الهول" وهو بناء أقامه السويسريون في تلك المنطقة ويستخدم في الاتصالات ويشبه إلى حد بعيد أبوالهول المصري المعروف!
هناك تعرفنا على ظواهر قابلناها لأول مرة، حيث كنت لا أقوى على فتح عيناي بسبب شدة أشعة الشمس المنعكسة من على سطح الجليد بزاوية ميل كبيرة، مما يمكن أن يصيبنا بعمى مؤقت، كذلك حاولت أن أمسك ببعض الثلج، فكادت يداي أن تتجمدا، وأخبرنا السيد "رينر" بأن نتجنب كثرة الإمساك بالثلج بسبب أن برودة الجو مع برودة الثلج قد تتسبب في جروح خطيرة باليد وهو ما يطلق عليه "عضة الثلج"!
بعد ذلك تحركنا بالقطار إلى متحف للثلج، والتقطنا بعض الصور هناك، حيث انتهت بطاريات الكاميرا بعد ذلك.
وكانت المحطة الأخيرة في تلك الرحلة عبارة عن تناول طعام الغداء على سطح مركب عائم في بحيرة في مدينة "إنترلاكن"، ولكننا كنا قد فقدنا قدرا كبيرا جدا من طاقتنا بسبب السير لمسافات طويلة وتسلق الجبال وطول السفر، حيث لم نكن نشعر بأقدامنا ونحن على سطح المركب، وكنا أقرب لفقدان الوعي!
وما هي إلا بضع ساعات حتى كان القطار قد عاد بنا مرة أخرى إلى حيث بدأت الرحلة التاريخية، إلى مقرنا في فندق بوكسرهوف، حيث شكرنا السيد "رينر" على تلك الرحلة التي لا يمكن أن ننساها أبدا.
والآن مع بعض الصور...
الجبل كما بدا لنا عند بداية الرحلة

سكة الحديد الخاصة ذات الثلاث قضبان

الثلج يزحف على الأراضي الخضراء

عندما تشاهد الجبال من أعلى

الكتل الثلجية من خلف الشبابيك الخاصة

سفنكس أو أبو الهول

صورة تجمعني مع صديق الرحلة م/ طارق فوق محطة "أبو الهول"

عندما كادت يداي أن تتجمدا

أمام طائرة الهليكوبتر المخصصة للطوارئ

العجلة الإضافية الخاصة بالقطار على شكل ترس

قضيب القطار الثالث وهو غارق بين الثلج

أحد مساقط المياه (شلال) على سفح أحد جبال لوتربونين

الثلج يحيطنا من جميع الجهات

قطار يحمل الإمدادات إلى يونج فراو يوخ

مساقط المياه عند خندق لوتربرونين

Sunday, May 19, 2013

من يوميات مسافر... سويسرا للمرة الأولى (2)... لوتسيرن ولوتربرونين

كان الوقت ما يزال مبكرا في صباح يوم السبت، حضر إلينا في الفندق السيد "رينر" وزوجته وابنه اليافع، واصطحبنا جميعا إلى محطة القطار، حيث ترك سيارته في مكان الانتظار العمومي الخاص بالمحطة.
كانت المرة الأولى التي أركب فيها قطارا في سويسرا، كان نظيفا جدا وراقيا جدا جدا، القطارات هناك تعمل بالكهرباء للحفاظ على البيئة.
حملنا القطار إلى سارجانز ومنها ركبنا في قطار آخر حملنا إلى زيوريخ، وهناك انتظرنا بضع دقائق لنستقل قطارا آخر إلى مدينة تقع في قلب سويسرا تسمى "لوتسيرن".
وهناك في لوتسيرن كانت المحطة الأولى من الرحلة، حيث أتيحت لنا فرصة ذهبية للتنزه في تلك المدينة الجميلة.
اصطحبنا السيد "رينر" إلى المتحف التاريخي هناك، وشاهدني لوحة فنية رائعة محفورة في أحد الكهوف تمثل أسدا ميتا، وبعدها كانت النزهة التاريخية لنا على الجسر الخشبي المغطى الشهير (جسر كابيل) الذي عند نقطة التقاء نهر ريوس ببحيرة لوتسيرن، وهو جسر جميل جدا يصل طوله حوالي 204 مترا، مصنوع بالكامل من الخشب وتغطيه النباتات والورود الجميلة جدا، ويقع في منتصفه تقريبا برج المياه الذي يعتبر رمزا لتلك المدينة الجميلة وأحد المعالم السياحية الرئيسية في سويسرا، وهو أقدم جسر خشبي في أوروبا وأقدم جسر معلق في العالم حيث يعود بناؤه إلى القرن السابع عشر.
لدي هواية قديمة بأن أقرأ ما يكتبه العامة على الجدران!! وهناك على جسر لوتسيرن ستجد عبارات مكتوبة ومحفورة على جدرانه بكل لغات الدنيا، ومن بينها اللغة العربية بالطبع، حيث لفت انتباهي عبارة جميلة جدا محفورة باللغة العربية على سياج الجسر، تعبر بصدق عن مدى الجمال المحيط بنا من كل الاتجاهات:
"اللهم إن كنت قد كتبت لنا أن نرى جنة الدنيا فلا تحرمنا من رؤية جنة الآخرة".
بعد تلك الجولة في المدينة ذهبنا لتناول طعام الغداء في أحد المطاعم السياحية المفتوحة في المدينة، لنبدأ بعدها الجزء الثاني من الرحلة إلى فينجين ولوتربرونين.
توجهنا إلى محطة القطار في لوتسيرن، حيث كان موعدنا مع سلسلة أخرى من القطارات التي ركبناها واحدا تلو الآخر إلى أن وصلنا إلى مدينة "فينجين" وهي مدينة تقع على سفح جبل من جبال الألب وترتفع عن سطح البحر أكثر من 1200 متر وتطل على أخدود جبلي عظيم يسمى "لوتربرونين".
لا يمكنني أن أجد كلاما يصف مدى الجمال والروعة التي شاهدناها في تلك المنطقة الساحرة، ولكنني أدعو من أراد الاستزادة لقراءة المزيد من المعلومات ومطالعة بعض الصور عن تلك المنطقة أن يزور موسوعة ويكيبيديا بالإنجليزية ويكتب في مربع البحث كلمة Wengen وكلمة Lauterbrunnen ويحكي لنا عما شاهده وقرأه هناك، وللأسف الشديد فإن الكاميرا التي كانت بصحبتنا لم تسعفنا لالتقاط كثير من أحداث تلك الرحلة.
وصلنا إلى محطة القطار في فينجين قبل المغرب ببضع ساعات (المغرب هناك يؤذن بعد التاسعة مساء)، حيث كانت النزهة التالية هي السير على الأقدام صعودا على منحدر جبلي لمدة حوالي نصف ساعة، وكانت نزهة في منتهى الروعة.
ما إن وصلنا إلى الفندق الخشبي في فينجين، حتى قمت بالحصول على حمام سريع واستبدال ملابسي، ثم خرجت في نزهة انفرادية للمراعي الجبلية المجاورة، حيث استمتعت بفترة من الاسترخاء والاستمتاع بالهدوء والطبيعة الخلابة.
لم نتأخر في النوم في تلك الليلة، حيث كان علينا الاستيقاظ مبكرا في اليوم التالي حيث الجزء الثالث من الرحلة في الصباح لنصعد الجبل إلى "يونج فراو يوخ" على ارتفاع أكثر من 4200 متر فوق سطح البحر!!
والآن مع بعض الصور لتلك الرحلة التاريخية التي لا تنسى (ملحوظة/ هناك صور كثيرة فقدتها!!!... ملحوظة2/ صوري هنا قبل أن أطلق لحيتي!!!)...
مع السيد/ رينر وابنه وفي الخلفية لوحة الأسد المقتول المحفورة في الجبل
في متحف لوتسيرن

على ضفة بحيرة لوتسيرن وفي الخلفية الجسر الخشبي المعلق

صورة من القطار أثناء مغادرة لوتسيرن متجهين إلى الجبل

أخدود لوتربرونين وفي الخلفية القمم الجبلية المغطاة بالثلوج

صورة من القطار للبيوت في فينجين

القمم المغطاة بالثلوج

صورة أمام الفندق في فينجين وفي الخلفية بيوت المدينة

صورة في الصباح الباكر لأشعة الشمس منعكسة من على القمم الجبلية المغطاة بالثلج المحيطة بمدينة فينجين

أما الفندق في فينجين مع السيد/ رينر

المراعي الخضراء في فينجين

Tuesday, May 14, 2013

من يوميات مسافر... سويسرا للمرة الأولى (1)... استقبال جيد

كم كنت أتمنى أن أعمل في مكان يتيح لي فرصة السفر إلى الخارج، فأنا عاشق للسفر، والتعرف على الأماكن الجديدة ومخالطة الناس والتعرف على طبائعهم وتكوين صداقات جديدة هي هواية تلازمني منذ الصغر، وقد كتب الله لي أن أعمل في مهنة أتاحت لي ذلك فعلا بعد حوالي خمس سنوات من الالتحاق بها، حيث كتبت لي الأقدار السفر في مأمورية للحصول على تدريب علمي وعملي بالإضافة إلى مهمة استلام ماكينة جديدة في مجال عملي، وكان ذلك في شهر يوليو 2006.
كان رفيقي في هذه الرحلة هو المهندس/ طارق راشد، وكان بانتظارنا صديقي السيد/ ماتياس صاحب الشركة التي ستستضيفنا...
كنت قد سمعت كثيرا عن جمال سويسرا وروعتها، لكنني لم أتصور يوما أنها بهذا القدر من الجمال والروعة، وفوق كل ذلك النظام.
في الطريق من المطار إلى محل إقامتنا في مقاطعة سانت جالين توقفنا مرتين، مرة لكي يدخن السيد ماتياس سيجارة والمرة الثانية كانت في مطعم قريب من الفندق لنتناول وجبة العشاء، كدنا أن نموت من الجوع، ولكن بمجرد أن وضع الأكل أمامي فقدت كل شهية لي في الأكل! ثم غادرنا إلى الفندق الذي كان يحمل اسم "شلوسلي ساكس" والذي يقع في قرية هادئة بالريف السويسري، لنتفاجأ بأن السيد ماتياس قد حجز لي ولصديقي غرفة واحدة مزدوجة، وكان ذلك أمرا مزعجا جدا لنا من عدة جهات لا يفهمها ولا يقدرها إلا من جرب الإقامة في غرفة كهذه في بلد غير مسلم!!
بتنا ليلتها بأي طريقة كانت وطلبنا صباحا تغيير الغرفة إلى غرفتين منفردتين...
كان الصباح جميلا جدا، فتحت نافذة الغرفة، كان الجو باردا ولكنه منعش ونقي جدا، بعض أصوات الأجراس التي عرفت فيما بعد أنها تخص الأبقار في المراعي الخضراء المجاورة، وفي الشارع كان هناك بعض المارة، معظمهم كانوا أطفالا يرتدون ملابس بألوان زاهية ويسيرون باتجاه مدارسهم في سعادة بالغة، بعضهم كان ما يزال في عمر رياض الأطفال ويسير بمفرده في الشارع دون خوف من أهله عليه، فالسيارات هناك تتوقف للمشاة إذا أرادوا عبور الطريق، وإلا تم تحصيل مخالفات سير مالية باهظة منها.

بعد قليل، حضر السيد ماتياس بسيارته وحملنا إلى الشركة، كان اليوم الأول لطيفا جدا، تعرفنا فيه على العاملين بالشركة، والتقيت هناك للمرة الأولى بصديقي "فاروق" الذي سأتحدث عنه في تدوينة خاصة لاحقا.
عرض علينا السيد "رينر" شريك السيد "ماتياس" في الشركة أن يعد لنا رحلة إلى منطقة بجبال الألب تسمى "يونج فراو يوخ"...
كان الأمر جديدا علينا، إنهم يحصلون على عطلة أسبوعية يومي السبت والأحد، وكان جدول الرحلة عبارة عن رحلة تستغرق يومين إلى هناك.
وافقت أنا وصديقي على عرض السيد "رينر"، وبدأنا نستعد للسفر إلى "يونج فراو يوخ"، وهي الرحلة التي سأتحدث عنها اعتبارا من التدوينة القادمة بإذن الله، فانتظروني...
والآن مع بعض الصور التي تم التقاطها بالكاميرا الوحيدة التي كانت معنا في تلك الرحلة التي كانت تخص صديقي م/ طارق، وكانت من طراز HP وكانت دقتها تصل إلى 1.3 ميجا بيكسل... تذكر أننا كنا في منتصف 2006!!!

في الطريق من مطار زيوريخ إلى مقاطعة سان جالين، وفي الخلفية غروب الشمس فوق بحيرة كونستانتس

أشعة الشمس تختفي خلف الغيوم التي تغطي بحيرة كونستانتس
صورة من شرفة الغرفة بالفندق


صورة من شرفة الفندق
بجوار الشركة
بجوار الفندق