موضوع أزمة اللاجئين السوريين على أبواب الاتحاد الأوروبي، وما مر من تحول واضح في طريقة استقبالهم ومعاملتهم هناك أرى أنها تؤكد وجها إيجابيا سمعته وعرفته عن الأوروبيين منذ سنوات.
المجتمع المدني في أوروبا (الغربية تحديدا) وصل إلى مرحلة متقدمة جدا من النهوض والعافية، يتيحان له أن يمارس دورا فعالا جدا في فرض إرادة المجتمع على الحكومات وأهل السياسة.
بصورة قريبة للأذهان، فالمجتمع المدني هناك يمكن أن نشبهه بعم "عبده الجزار"، رجل قوي الشكيمة عظيم البأس يهابه القاصي والداني، تتنوع أسلحته من الساطور إلى السكاكين متعددة الحدة إلى الجنازير والخطاطيف... إلخ، يمتلك صوتا جهوريا يخرج من حنجرة موجودة في رقبة واسعة القطر، تعتلي صدرا وكرشا يهابه الناظر إليه فيفكر ألف مرة قبل محاولة استفزازه!
عصبي بطبعه، انفعالاته غالبا ما تغلب عقله المتزن، لا يمكن أن يتحمل أن يرفض له أحد طلبا.
أما الحكومات وأهل السياسة في هذه البلدان فهم كحال حكومات الدنيا كلها، أقرب ما يكونون شبها بالست "مهزات المستحية" التي لا تخجل من العمل في أي مهنة شريفة، وأحلى من الشرف مافيش، تستحي فقط من الحق، وتقبل بالهز في أي مناسبة وبدون مناسبة، بارعة في شغل التلات ورقات وخبيرة بما يمكن أن يدور وراء الأبواب المغلقة، لا تحب العمل في النهار، تخشى مواجهة الناس إذا تكاثروا عليها، فخبرتها العظيمة مقترنة بالتعامل مع الأعداد القليلة من البشر، وفي الظلام.
هذا بالضبط ما نقلته لنا الأنباء الواردة من النمسا والمجر خلال الأسبوع الماضي، فقد تعنتت الحكومات الأوروبية في استقبال اللاجئين السوريين على أبوابها وعلى أرصفة محطات القطارات، مما نقل صورة بشعة لحال هؤلاء اللاجئين، وحاولت الحكومات اتباع السياسة المعروفة للست مهزات المستحية للتعامل مع تلك الصورة الدامية، تارة تحاول إخفاءها وتارة تحاول تبريرها وتفسيرها، غير أن تلك الصورة البشعة التقطها المجتمع المدني الأوروبي ليدق ناقوس الإنذار بالغضب، تماما كما يحدث عند عم عبده الجزار.
هنا زأرت الشعوب كما يزأر عم عبده الجزار تماما، وهنا بدأت الحكومات في تقمص أقذر أدوار الست المستحية، تورات عن الحشد واختفت حينما بدا أن الضوء مبهر، وفرضت الشعوب كلمتها وفتحت الأبواب أمام اللاجئين.
هذا الوضع أخبرني به كثير ممن أعرفهم من عوام الأوروبيين، فهم لا يحبون الحكومات وأهل السياسة، ويدركون جيدا أن لهم حساباتهم وأهدافهم الخاصة التي ليست بالضرورة أن تعبر عن رغبات الشعوب، لذلك فالمجتمع المدني القوي هناك يقف لهذه الحكومات بالمرصاد عندما تخالف رغباته ولا تعبر عن إرادته.
والأصل في الأوروبيين أنهم ودودون تجاه الغرباء بصفة عامة، لا يبغضونهم، ويتحرجون من تجاهل من طلب منهم المساعدة، ومثال ذلك ما قامت به سويسرا من استقبال النازحين اليهود من كل أوروبا في الحرب العالمية الثانية، رغم عدم تعاطفهم ثقافيا وعقائديا معهم آنذاك، لذلك نجد الأتراك والبوسنيين وغيرهم من الشعوب التي كانت مصدرا للاجئين في وقت من الأوقات، نجدهم يعيشون في سلام وسلاسة في وسط تلك المجتمعات.
لكن حذار من الإفراط في الأمل...
فإذا أردنا أن نحكم بهذا المنطق على تصرفات الأوروبيين تجاه ما يحدث من ظلم واضطهاد ومطاردات في كثير من البلاد الأخرى غير سوريا، سواء في المشرق العربي أو في بورما وأفريقيا الوسطى أو...، فإننا سنتفاجأ بردود أفعال غريبة، لا يمكن تفسيرها إلا إذا عرفنا...
أن عم عبده الجزار يحب النوم كثيرا!!!