مد يديه اللتين لوحتهما أشعة الشمس الحارقة إلى السماء برفق، ثم تبعهما برأسه، ولو كان هناك جزء آخر في جسده يمكن أن يرفعه إلى السماء لفعل، ولكن لا شيء سوى اليدين والرأس.
كانت يداه ترتعشان بشدة، وكانت الدموع تحفر على خديه خطوطا سمراء من شدة حرقتها، ولم يكن يبالي بأن يمسحها.
تلعثم لسانه حين أراد أن يبدأ في الدعاء.
بأي شيء يبدأ؟
يدعو لنفسه؟ أم لأولاده؟ أم لوطنه؟ أم لدينه؟
هل يستهل دعاءه بالتسبيح والحمد والثناء على خالقه العظيم؟
هل يستحضر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟
ياااااه!!
ذاك كثير وكثير جدا...
عليه أن يقطع كل تلك المسافات قبل أن يصل إلى اللحظة التي يبدأ فيها الدعاء بما يريد.
لقد ضاقت عليه الدنيا، واشتد الكرب، وما عادت السماء تمطر ذهبا، والمسؤوليات عليه كبيرة، ولا يبدو في الأفق أن هناك انفراج في أحوال البلد!
تردد قليلا، فقد صار لا يطيق، لا يطيق!
فجأة...
تذكر آية من كتاب الله تعالى، وحديث من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم...
"وإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونْ".
"سأل أبيُّ بن كعب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "مَا شِئْتَ" . قُلْتُ: الرُّبُعَ. قَالَ:"مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: الثُّلُثَ. قَالَ: "مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ " قُلْتُ: النِّصْفَ. قَالَ: "مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: الثُّلُثَيْنِ. قَالَ: "مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: أَجْعَلُ صَلاتِي كُلَّهَا. قَالَ: "تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ ذَنْبُكَ".
اللهم صلِّ على محمدٍ في الأولين، وصلِّ على محمدٍ في الآخِرين، وصلِّ على محمدٍ في كل وقتٍ وحين، وصلِّ على محمدٍ في الملأِ الأعلى إلى يوم الدين، اللهم صلِّ على محمدٍ عدد ورق الأشجار وعدد قطر البحار والأنهار، وعدد ما طلع عليه الليل والنهار، اللهم صلِّ على محمدٍ صلاةً تُرضيك وتُرضيه عنا، صلاةً تكشف بها كربنا وتفرِّج بها همنا وترحمنا وتكفينا بها ووالدينا من كل مكروه وسوء، اللهم أوردنا حوضه، واكتب لنا شفاعته يوم الدين...
آمين~~