جامع عمرو بن العاص بمئذنته الصغيرة تعانق الآفاق |
أصطحبكم اليوم في رحلة داخل حدود مصر، في قلب القاهرة الفاطمية، إنها رحلة قلبية قبل أن تكون مكانية، إلى جامع عمرو بن العاص.
ربما نعرف جميعا أنه أول مسجد بني في مصر، ربما يعرف الكثير منا أنه أكبر المساجد في مصر، ولكن قليلون هم من يعرفون قيمة هذا المسجد الذي انطلق منه الإسلام إلى كل إفريقيا ومعظم أوروبا.
أقام سيدنا عمرو بن العاص هذا المسجد لأول مرة في نفس المكان المقام عليه حاليا وهو محل خيمته التي نصبها في مدينة الفسطاط، وكان هدفه من إنشائه هو أن يكون مكانا يستوعب جيش الفتح لأداء الصلاة وإقامة دروس العلم وليكون منارة ينطلق منها الإسلام إلى القارة الإفريقية كلها، وكان ذلك في بلد لم يكن يعرف شيئا عن الإسلام، وهنا وقفة مهمة للتدبر، فقد أقام عمرو بن العاص مسجدا ضخما وكبيرا في بلد ليس فيه إسلام في ذلك الوقت، وها هو اليوم قد صار بمساحته الهائلة يضيق على المصلين فيه من المسلمين بسبب كثرة عددهم، وهو درس عظيم لمن أراد أن يتجاوز ببصره ليعرف إلى أين يمكن أن يبلغ صدى دعوته، وليدرك أن ما علينا إلا الأذان، وعلى الله التبليغ!
رابع أكبر مسجد على الكرة الأرضية حسب بعض الأقوال، تعرض عدة مرات للهدم وإعادة البناء والترميم التي كان آخرها منذ بضع سنوات، غير أن أرض المسجد ظلت كما هي بنفس المستوى، وهذا يفسر انخفاض مستوى أرضية المسجد عن الأراضي المحيطة به، لدرجة أن مئذنة المسجد قد تقترب من مستوى الأرض المحيطة!
المنطقة المحيطة بجامع عمرو ولا مكان لقدم ليلة السابع والعشرين من رمضان |
كانت أول مرة أزور فيها هذا المسجد عندما كنت بالسنة الجامعية الثانية، حيث كنت قد بدأت في التعرف على صحبة من الأصدقاء الملتزمين دينيا (جزاهم الله عني كل خير) الذين جذبوني تدريجيا من حياة البعد عن الله، حيث كان ذلك بعد انتهاء امتحانات الترم الأول بالجامعة مباشرة، وكنا في العشر الأواخر من رمضان، ذلك الشهر الذي يميز جامع عمرو بن العاص، ذهبت معهم للصلاة خلف الشيخ محمد جبريل، وكانت أول مرة أصلي فيها في هذا المسجد وأول مرة أستمع فيها لصوت هذا القارئ المميز.
عرفت في تلك الفترة أن هناك من أصحابي من يعتكفون في المسجد في العشر الأواخر من رمضان متخفين عن العيون الأمنية، كان اعتكافهم لبضعة أيام وليس للأيام كلها، إلا أنني لم أشاركهم.
ظلت تربطني علاقة خاصة بهذا الجامع وبالصلاة فيه خلف الشيخ محمد جبريل، على الرغم من تفرق أصدقائي جميعا عني إلى حياتهم والتزاماتهم، فصرت لا أذهب إلى هناك إلا منفردا، وبدأت أمارس عبادة الاعتكاف في بعض أيام العشر الأواخر من رمضان بنفس الصورة التي كان يمارسها أصدقائي بعيدا عن المراقبة الأمنية.
صحن المسجد وقد تغطى بالمصلين في ليالي رمضان |
وبمضي الأيام والسنين، صرت أتعرف في المسجد على جوانب تجذبني إليه أكثر من مجرد الصلاة خلف الشيخ محمد جبريل الذي صار لا يؤم الناس بالصلاة هناك إلا في ليلة السابع والعشرين من رمضان فقط، حيث صرت أتعرف على كثير من أوجه الخير التي يمكن للإنسان أن يمارسها بالإضافة إلى حضور دروس العلم، تعرفت هناك على أناس يقومون بخدمة آلاف المعتكفين بالمسجد دون أي مقابل مادي، وأناس يتولون السقاية وآخرون يتولون نظافة المسجد، وآخرون وآخرون... إنه حب العمل لوجه الله.
وفي العامين الأخيرين بعد الثورة، تحررت الدعوة بالمسجد من كثير من القيود، وتعرفت هناك على مشايخ عظام من أئمة الدعاة في مصر وحضرت لهم دروسهم القيمة، وعلى رأس هؤلاء فضيلة الشيخ الدكتور/ أحمد فريد الذي أشرف على خيمة الاعتكاف بالمسجد خلال العامين الأخيرين، ذلك الرجل الذي أعتز وأفتخر أنني قابلته يوما ما وتحدثت إليه، حيث أنه في إحدى المرات تأبطني من ذراعي واصطحبني في جولة تفقدية له على خيام الاعتكاف بالمسجد وهو يجيبني على مسألة كنت قد سألته إياها، بمنتهى التواضع منه والود، وقد سبق أن خطب وحاضر ودرس في هذا المسجد أئمة عظام من بينهم الإمام الشافعي وابن هشام (صاحب السيرة) وفي العصر الحديث شيوخ كبار كالشيخ أبي اسحق الحويني والشيخ الدكتور/ محمد حسان والدكتور/ محمد اسماعيل المقدم.
فضيلة الدكتور أحمد فريد... أحبه في الله |
وإن كنت أظن أنني لن أحافظ على تلك العادة الدينية بالاعتكاف في جامع عمرو بن العاص في السنوات القادمة، وذلك يرجع لأسباب قد لا يمكن ذكرها هنا، وربما كانت هي نفس أسباب انفضاض أصدقائي السابقين عن ذلك.
السلام عليكم
ReplyDeleteلا يعرف معنى هذه العلاقة الا من تعود على المساجد وتلآلف معها
رائحة البساط اثناء السجود وبقايا اصوات الذكر وهمهمات الدعاة كلها لها فى النفس مكان اصيل
اما جامع عمرو فله فى النفس ذاكرة طيبة مميزة فكان فى زيارات الكلية ايام الدراسة احبه كثيرا جدا
احسنت الاختيار اخى بهاء ورائعة سيرتك مع الألتزام :) ثبتك الله على الايمان والتوقى
بارك الله فيك و تحياتى بحجم السماء
احسنت الوصف بهاء
ReplyDeleteوجزاك الله خيرا وجعلك ممن قال عنهم
رسولنا
رجلا تعلق قلبه بالمساجد
تحيتي
جزاكم الله خيرا
ReplyDeleteوالله لقد لمست الجرح ، نفسى أصلى هناك ولكن الله لم يكتب لى ذلك ، فهو شوق لسيدنا عمرو بن العاص ، وحب
أما الدكتور فريد فكما هو تربينا على كتبه وما زاده الله علما إلا زاده تواضعا
تحياتى المعطرة
الأخوة الأفاضل/
ReplyDeleteليلى الصباحي..
سواح في ملك الله..
مسلم مصري...
جزاكم الله كل خير على مشاعركم الطيبة الصادقة ودعواتكم المخلصة، وجمعنا الله دوما وإياكم على محبته في كل مكان يرضى الله عنا فيه، وجعل أعمالنا كلها خاصة لوجهه وجمعنا في الفردوس الأعلى بإذن الله.
تقبلوا خالص تحياتي...
وصف جميل و رحلة رائعة لأول مسجد ساهم بنشر الاسلام في مصر
ReplyDeleteمسجد كلنا نكن له الفضل
رحم الله الشيخ محمد الغزالي الذي ساهم في تطوير المسجد حين كان اماما له و اعاد له بريقه ثانية
أخي الغالي/ مصطفى سيف الدين..
ReplyDeleteقبل أي شيء لابد أن أقول لك: "وحشتني".
جزاك الله خيرا على المعلومة الجميلة التي أضفتها وجعل الله ما قام به الإمام محمد الغزالي من تطوير للمسجد في ميزان حسناته، وكل من سعى لتعمير هذا المسجد وأي بيت من بيوت الله.
...
...
على الهامش: لو كنت أعرف إن هذه التدوينة ستعيدك إلى هنا لكنت نشرتها من زمان!!!
تقبل خالص مودتي واحترامي...
السلام عليكم
ReplyDeleteما شاء الله معلومات قيمة والصور رائعة مكنتش متخيلة المسجد جميل أوى كده..إن شاء الله تيجى فرصة وأزوره.
شــيوخنا الأفاضل جزاهم الله عنا كل خير.
مع تحياتى.
والله يا بهاء يعنى الواحد لما بيرجع يقراالكلام ده بيفتكر أيام جميلة قوى وأهم حاجه انت قلتها الصحبة الجميلة اللى كانت موجودة .
ReplyDeleteالأخت/ حبيبة...
ReplyDeleteجزاك الله خيرا...
والمسجد يتوق دائما شوقا لعمَّاره.
جزى الله خيرا كل من سعى في تعمير هذا المسجد سواء بالصلاة أو بدروس العلم أو بالعمارة.
تقبلي تحياتي...
أخي وحبيبي/ محمد طه...
ReplyDeleteلا تتخيل مدى سعادتي أن وصلت إلى هنا!
نورت مدونة "نبضات" وأرجو ألا تكون هذه الزيارة هي الأخيرة...
جزاك الله عني خيرا أنت وبقية الأصدقاء.
ذكرياتنا الجميلة هناك وفي أماكن أخرى تشتاق إلينا كما نشتاق إليها.
أدام الله الود بيننا.
السلام عليكم
ReplyDeleteأخي بهاء
و تابى صورة الرحالة ان تفارقك حتى و أنت في بلدك ...
و معها نستفيد من قدراتك المتميزة على الوصف و غبراز كل مفيد..
أرجو أن تسمح لي الظروف يوما لزيارة هذا المسجد ومعه مصر الحبيبة...
تحياتي
بسم الله وبعد
ReplyDeleteرحلة موفقة .. كيف لا وأنت متجها لزيارة بيت من بيوت الله
فمن المستظلين بظل الله عز وجل .. رجل قلبه معلق بالمساجد
تحياتي واحترامي وتقديري لك أخي في الله بهاء
أحبك في الله
http://alrantisi.co.cc
بارك الله فيك على هذا العرض الممتع، فقد شوقتني للمكان، رغم بعد المسافات.
ReplyDeleteأحيك أخي بهاء على تدويناتك المميزة على مدونتك، تحمل الفائدة دائما.
الإخوة الأعزاء...
ReplyDeleteنحمد أبو عز الدين...
مازن الرنتيسي...
أبو حسام الله...
...
ربما تكون هذه التدوينة قد حملت في طياتها رغبة مني في أن أنقل صورة لأحد الأماكن الرائعة في مصر لمن لم يوفقه الله لرؤيتها، وأنتم بالتأكيد من هذه الفئة المقصودة والتي أتمنى أن يكتب لي رؤيتها ولو لمرة في العمر...
علما بأنني كنت أخشى كثيرا من ألا تروق هذه التدوينة لكثير من أحبابي المتابعين، رغم أن هذا المكان أحمل له كثير من التقدير، وتمنيت مرارا لو كتبت عنه يوما ما.
أحبكم في الله الذي أحببتموني فيه، وجزاكم الله خيرا على كلماتكم الطيبة والصادقة.
تقبلوا تحياتي...
جزاك الله خيرا يا صديقي
ReplyDeleteاسال الله ان يجعل قلوبنا معلقه بمساجد الله
بارك الله فيكي
اليبانيون عموما لهم الفخر أنهم تولّوا أمورهم بأنفسهم
ReplyDeleteو اعتمدوا على ذواتهم و انفصلوا عن العالم الغربي لصنع حضارتهم ،،،
أقدر فيهم هذا التفاني و الإعتزاز بالنفس و اختراق الما الغربي و هزمه في كثير من التكنولوجيا ، غير أن للإعلام و البروباجندا دور كبير ..!
تقديري لك
أخي الحبيب/ rack your minds
ReplyDeleteجزاك الله خيرا على كلماتك الطيبة، واستجاب الله دعاءك.
تقبل تحياتي...
أخي الغالي/ منجي بكير...
ReplyDeleteأشتاق دوما لزيارتك لي.
أظن أنك قد وقعت في خطأ صغير، فتعليقك هذا أظن أن مكانه الصحيح على تدوينة "عرش المرسيدس".
ولكن لا بأس، فاليابانيون لهم منا كل احترام وتقدير على نجاحهم في إقامة حضارة ناطحت الحضارة الغربية وهزمتها رغم أنهم عمليا أمة محتلة!
تقبل تحياتي...
نعم بهاء أخطأت إدراج التعليق
ReplyDeleteلكن الأهم ، أني أشكرك على تعليقك الأخير في الزمن الجميل على تعليق كان له عميق الأثر في نفسي ( و هذا لا يحصل كثيرا معي )
تقديري و المحبّة
منجي
http://zaman-jamil.blogspot.com
أخي الحبيب/ منجي بكير...
ReplyDeleteجزاك الله خيرا على كلماتك الطيبة.
خالص تقديري واحترامي..