كان السيد "رينر" يردد عبارة واحدة على أسماعنا كثيرا: "او كنتم محظوظون بما فيه الكفاية، فستكون الشمس مشرقة عندما نصعد الجبل!".
لم نفهم مغزى هذه العبارة إلا عندما صعدنا إلى الجبل المكسي بالجليد، هناك حيث تشرق الشمس لأيام قليلة جدا على مدار العام، وباقي الأيام تكون مختفية خلف الغيوم، وليس غريبا أن تهب العواصف الثلجية على تلك المنطقة التي تنخفض فيها الحرارة إلى ما تحت الصفر طوال العام!
تحركنا باكرا جدا إلى محطة القطار في "فينجين" مرة أخرى، حيث ركبنا القطار المتجه إلى الجبل.
كانت سكة الحديد مختلفة تماما عما عهدناه، حيث كانت مكونة من ثلاثة قضبان!! القضيبان المعروفان لنا جميعا، والقضيب الثالث في المنتصف بينهما عبارة عن قضيب مسنن تسير عليه عجلة خاصة تكون في منتصف القطار عبارة عن ترس، وفائدتها هو منع انزلاق عجلات القطار العادية على القضبان بسبب الميل الشديد الذي يواجهه القطار أثناء صعود الجبل أو الهبوط من عليه!
"يونج فراويوخ" كانت هي وجهتنا، وهي عبارة عن شبه هضبة جبلية على سفح جبل "يونج فراو"، الذي هو بدوره واحد من ثلاث قمم جبلية شهيرة تقع متجاورة في جبال الألب السويسرية: "يونج فراو" على ارتفاع 4581 متر فوق سطح البحر، و"مونخ" على ارتفاع 4107 متر فوق سطح وأخيرا "إيجار" بارتفاع 3970 متر فوق سطح البحر، والمنطقة بالكامل مسجلة ضمن التراث العالمي التابعة للأمم المتحدة!
مررنا أثناء صعودنا بمحطة للقطار كان التوقف بها إجباريا، حيث كانت تحتوي على متحف يشرح كيفية بناء تلك السكة الحديدية التي تصلنا بأعلى محطة قطار في القارة الأوروبية، وكيف أمكن بناؤها في تلك المنطقة الجبلية الوعرة، وتعرفنا هناك على أجزاء من القطارات الخاصة التي تسير عليها، والتي يطلق عليها "يونج فراو بان".
"يونج فراو يوخ" تقع على السفح بين جبلي يونج فراو ومونخ، هناك على ارتفاع حوالي 3471 متر حيث تقع محطة القطار الأعلى في أوروبا.
توقف بنا القطار في الطريق مرة أخرى، حيث أتيحت لنا في تلك المحطة النظر من شبابيك خاصة على الكتل الثلجية التي تحيطنا من كل جانب، وبعدها واصلنا الصعود بالقطار إلى أن وصلنا أخيرا، إلى "يونج فراو يوخ"!
وكانت المرة الأولى التي نشاهد فيها الثلج من حولنا من كل جانب بدون أي حائل، كل شيء أبيض، درجة الحرارة 2 تحت الصفر، وكنا فعلا محظوظين بسبب أن الشمس كانت مشرقة رغم تلك الحرارة المنخفضة!
قضينا هناك حوالي ساعتين نتنقل بين المناطق السياحية المتنوعة هناك، ونلتقط بعض الصور، وتحركنا إلى مكان يطلق عليه "سفنكس" أو "أبو الهول" وهو بناء أقامه السويسريون في تلك المنطقة ويستخدم في الاتصالات ويشبه إلى حد بعيد أبوالهول المصري المعروف!
هناك تعرفنا على ظواهر قابلناها لأول مرة، حيث كنت لا أقوى على فتح عيناي بسبب شدة أشعة الشمس المنعكسة من على سطح الجليد بزاوية ميل كبيرة، مما يمكن أن يصيبنا بعمى مؤقت، كذلك حاولت أن أمسك ببعض الثلج، فكادت يداي أن تتجمدا، وأخبرنا السيد "رينر" بأن نتجنب كثرة الإمساك بالثلج بسبب أن برودة الجو مع برودة الثلج قد تتسبب في جروح خطيرة باليد وهو ما يطلق عليه "عضة الثلج"!
بعد ذلك تحركنا بالقطار إلى متحف للثلج، والتقطنا بعض الصور هناك، حيث انتهت بطاريات الكاميرا بعد ذلك.
وكانت المحطة الأخيرة في تلك الرحلة عبارة عن تناول طعام الغداء على سطح مركب عائم في بحيرة في مدينة "إنترلاكن"، ولكننا كنا قد فقدنا قدرا كبيرا جدا من طاقتنا بسبب السير لمسافات طويلة وتسلق الجبال وطول السفر، حيث لم نكن نشعر بأقدامنا ونحن على سطح المركب، وكنا أقرب لفقدان الوعي!
وما هي إلا بضع ساعات حتى كان القطار قد عاد بنا مرة أخرى إلى حيث بدأت الرحلة التاريخية، إلى مقرنا في فندق بوكسرهوف، حيث شكرنا السيد "رينر" على تلك الرحلة التي لا يمكن أن ننساها أبدا.
والآن مع بعض الصور...
الجبل كما بدا لنا عند بداية الرحلة |
سكة الحديد الخاصة ذات الثلاث قضبان |
الثلج يزحف على الأراضي الخضراء |
عندما تشاهد الجبال من أعلى |
الكتل الثلجية من خلف الشبابيك الخاصة |
سفنكس أو أبو الهول |
صورة تجمعني مع صديق الرحلة م/ طارق فوق محطة "أبو الهول" |
عندما كادت يداي أن تتجمدا |
أمام طائرة الهليكوبتر المخصصة للطوارئ |
العجلة الإضافية الخاصة بالقطار على شكل ترس |
قضيب القطار الثالث وهو غارق بين الثلج |
أحد مساقط المياه (شلال) على سفح أحد جبال لوتربونين |
الثلج يحيطنا من جميع الجهات |
قطار يحمل الإمدادات إلى يونج فراو يوخ |
مساقط المياه عند خندق لوتربرونين |