للمرة الثالثة التي أقوم فيها بزيارة عمل إلى سويسرا، وللمرة الثالثة أشعر بانبهار بذلك الشعب، وتلك الطبيعة، وهذا النظام، ولكن بخلاف المرات السابقة، فإن هذه المرة قد حازت مني على اهتمام أدبي متنوع، فمن ناحية فقد أكثرت من الصور التذكارية لمعظم الأماكن التي قمت بزيارتها في كل من سويسرا والنمسا وليخنشتين، ومن ناحية أخرى ها أنا أكتب أول مدونة عن زيارة من تلك الزيارات، والفضل في ذلك يعود لدخولي عالم مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وعالم التدوين.
وقبل أن أبدأ في الحديث عن سويسرا وعن الرحلة، أريد أن أعرج في البداية على واقع تغير في حياتي خلال الشهور القليلة الماضية، فكم كنت أشعر بالتقوقع والانعزال خلال الفترة الماضية منذ أن أصبحت ربا لأسرة صغيرة، فأنا بطبعي شديد الارتباط أسريا ومتعلق بشدة بأبنائي وزوجتي، ولكن شيئا ما يبدأ يراودك بضرورة عمل شيء جديد، شيء متغير بعد فترة من الزمن، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار حبي الشديد للتعارف والتواصل مع الآخرين، ونهمي بالقراءة والكتابة، ورغبتي في أن أصنع شيئا جديدا، والروح الجديدة التي بدأت تدب في أوصالي وأوصال من هم مثلي من الطبقة الوسطى المتعلمة من أبناء مصر بعد الثورة، وأظن أنني قد وجدت ضالتي في مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك وتويتر، ولكن يبقى شيء دائما أريد أن أقوله، أريد أن أحكيه، أريد أن أنتج شيئا في هذا البحر الواسع من الأحداث والصداقات المتداخلة والمتباينة، فبدأت أبحث عن بعض التدوينات المميزة، وشعرت أنني متأخر جدا بشأن البدء في التدوين، لا سيما مع وجود تجارب كثيرة لي في مجال كتابة المقالات والأشعار ولكن الزمن وكثرة الانشغالات والضغوط الحياة العملية والأسرية أبعدتني عن كل ذلك، هذا مع التسليم بوجود وقت فراغ بصفة يومية لا أجد ما أفعله، فقررت أن أدخل إلى هذا العالم حبوا، على أمل أن أصبح يوما ما فارسا من فرسانه، وكانت التدوينات الأولى لي سياسية على علاقة بالاستفتاء التاريخي الذي قام به المصريون على المواد الدستورية في 19/3/2011، والآن ها أنا أكتب أول مدوناتي الخاصة، الاجتماعية!!
سويسرا هي دولة فريدة في العالم، لها عدد من السمات المميزة التي تكاد لا تجد لها مثيلا في العالم، وأنا هنا أقدم بعض الحقائق عنها، فهي دولة لم تدخل طرفا في أي حرب أو نزاع دولي مسلح منذ انتهاء الحروب النابليونية في 1815، ونجحت في الحفاظ على كونها دولة محايدة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، بالإضافة إلى أنها دولة ذات حدود ثابتة ولم تتغير إلا في أضيق الحدود منذ القرن السادس عشر، وهي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي على الرغم من أنها محاطة من جميع الجهات بهذا الاتحاد، ولم تدخل عضوا في الأمم المتحدة إلا في 2002 على الرغم من وجود الكثير والكثير جدا من المكاتب والهيئات التابعة للمنظمة الدولية ولغيرها من المنظمات التي تتخذ من مدينة جنيف السويسرية مقرا لها بما فيها ثاني أكبر مقر للأمم المتحدة في العالم، وهي مهد مؤسسة الصليب الأحمر الدولية والمقر الرئيسي له في جنيف أيضا، ومدينتي زيوريخ وجنيف تدخلان بصفة مستمرة ضمن قوائم أفضل خمسة مدن لإقامة الإنسان وجودة الحياة على مستوى العالم، وهي دولة يحكمها نظام فيدرالي فريد، فلا يوجد لها رئيس محدد وإنما مجلس فيدرالي مكون سبعة أعضاء أو وزراء، ولها نظام مميز لإقرار القوانين، وهي دولة متعددة اللغات، والنسبة الكبرى من شعبها يتحدثون الألمانية ويقطنون الشرق والشمال الشرقي، ثم الناطقون بالفرنسية ويقطنون الغرب، ثم الناطقون بالإيطالية ويقطنون الجنوب، ونسبة صغيرة جدا يتحدثون الرومانية ويقطنون جزءا من الجنوب الشرقي، وكل فئة من هذه الفئات تعتبر لغتهم لغة أولى لهم، لدرجة أنك قد لا تجد من تتفاهم معه باللغة الألمانية إذا انتقلت إلى الشطر الفرنسي مثلا! إلى غير ذلك من السمات التاريخية والجغرافية الفريدة التي لا يكاد المرء يجدها في أي مكان آخر في العالم.
ومن ناحية شعبها، فمن تعاملت معهم من قاطني الشطر المتحدث بالألمانية من سويسرا يتميزون بود شديد وترحاب يقابلون به الغرباء، حتى أنني لم أشعر بينهم أنني غريب، ويسهل على من يعيش بينهم أن يلاحظ مدى حبهم الشديد أن يكونوا متميزين عن غيرهم ومختلفين ومتفردين حتى في شكل بيوتهم، بل إنك تجد فيشة الكهرباء لديهم مختلفة عنها في أي بلد آخر، ويتعين عليك أن تشتري توصيلة خاصة حتى يمكنك استخدام الأجهزة الكهربائية والالكترونية إذا أتيت بها من خارج سويسرا!! حتى القوانين لديهم تشعر أنها مجنونة إلى حد بعيد، هذا مع التسليم بوجود قدر هائل من احترام الانسان وآدميته، وإعلاء قيم القانون فوق أي شيء، شأنهم شأن باقي المجتمعات المتحضرة ولكن تشعر عندهم بنوع من التميز في أنهم يستمتعون بتطبيق القوانين واحترام النظام!! وكان مما لاحظته عندهم - وأعتقد أن شأنهم في ذلك شأن بقية البلدان الأوروبية - أن الأبقار في المراعي الشاسعة المنتشرة في كل مكان لا يفصلها عن الطرق العمومية التي تسير فيها السيارات سوي حبل ضعيف لا يكفي لكي يمنع بقرة صغيرة من اقتحام طرق السيارات، ومع ذلك لا تجرؤ بقرة واحدة على الاقتراب من ذلك الحبل!! حتى أننا كنا نعلق على ذلك بعبارة "حتى البقر عندهم منظم"!!
وعادة ما يحالفني الحظ في زياراتي لهذا البلد فأتعامل مع نوعيات مختلفة من البشر، تنتمي لجنسيات مختلفة، فعادة ما يستضيفنا أثناء الإقامة صديقي رجل الأعمال النمساوي السيد ماتياس هو صاحب الشركة التي نتعامل معها، ويعمل معه في شركته وفي الشركات المجاورة له عدد من النمساويين، وأحتك وأتعامل مع ألمان وبعض من سكان دولة ليختنشتين، بالإضافة لبعض السويسريين من قاطني الشطرين الألماني والفرنسي، هذا بخلاف بعض من النازحين من جمهوريات يوغوسلافيا السابقة من البوسنيين أيضا وبعض الألبان والأتراك، وكلا من هؤلاء له مزاج مختلف وطبائع مميزة عن الآخر، وهو ما أشعر أنه قد ساهم في إثراء رصيدي الاجتماعي بشكل كبير، بل إن لي بينهم صداقات أعتز بها وأداوم عليها.
وقد تميزت زيارة هذه المرة بقصرها حيث لم تستمر سوى 12 يوما فقط، ولم يتخللها سوى أجازة اسبوعية واحدة، وكنا نعمل فيها حتى ساعات متأخرة يوميا، إلا أنني قد استمتعت بهذه الزيارة ربما أكثر من أي زيارة سبقتها، فقد حالفنا الحظ وقمنا خلال الأجازة الأسبوعية يوم الأحد بجولة سياحية شملت عدة مواقع نمساوية، وطبعا صحبنا فيها مرافقنا صديقي النمساوي، فقمنا بزيارة قرية جورتيز الجبلية التي يقيم فيها هذا الرجل ثم بريجينز وهي مدينة كبيرة على شاطئ بحيرة كونستانتس، ومدينة دورنبيرن أكبر مدن ولاية فورارلبيرج النمساوية، بالإضافة للتنزه على جبال وبحيرات وكهوف في كل تلك المدن والقرى، كل ذلك في يوم واحد!!!
8/5/2011
وقبل أن أبدأ في الحديث عن سويسرا وعن الرحلة، أريد أن أعرج في البداية على واقع تغير في حياتي خلال الشهور القليلة الماضية، فكم كنت أشعر بالتقوقع والانعزال خلال الفترة الماضية منذ أن أصبحت ربا لأسرة صغيرة، فأنا بطبعي شديد الارتباط أسريا ومتعلق بشدة بأبنائي وزوجتي، ولكن شيئا ما يبدأ يراودك بضرورة عمل شيء جديد، شيء متغير بعد فترة من الزمن، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار حبي الشديد للتعارف والتواصل مع الآخرين، ونهمي بالقراءة والكتابة، ورغبتي في أن أصنع شيئا جديدا، والروح الجديدة التي بدأت تدب في أوصالي وأوصال من هم مثلي من الطبقة الوسطى المتعلمة من أبناء مصر بعد الثورة، وأظن أنني قد وجدت ضالتي في مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك وتويتر، ولكن يبقى شيء دائما أريد أن أقوله، أريد أن أحكيه، أريد أن أنتج شيئا في هذا البحر الواسع من الأحداث والصداقات المتداخلة والمتباينة، فبدأت أبحث عن بعض التدوينات المميزة، وشعرت أنني متأخر جدا بشأن البدء في التدوين، لا سيما مع وجود تجارب كثيرة لي في مجال كتابة المقالات والأشعار ولكن الزمن وكثرة الانشغالات والضغوط الحياة العملية والأسرية أبعدتني عن كل ذلك، هذا مع التسليم بوجود وقت فراغ بصفة يومية لا أجد ما أفعله، فقررت أن أدخل إلى هذا العالم حبوا، على أمل أن أصبح يوما ما فارسا من فرسانه، وكانت التدوينات الأولى لي سياسية على علاقة بالاستفتاء التاريخي الذي قام به المصريون على المواد الدستورية في 19/3/2011، والآن ها أنا أكتب أول مدوناتي الخاصة، الاجتماعية!!
سويسرا هي دولة فريدة في العالم، لها عدد من السمات المميزة التي تكاد لا تجد لها مثيلا في العالم، وأنا هنا أقدم بعض الحقائق عنها، فهي دولة لم تدخل طرفا في أي حرب أو نزاع دولي مسلح منذ انتهاء الحروب النابليونية في 1815، ونجحت في الحفاظ على كونها دولة محايدة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، بالإضافة إلى أنها دولة ذات حدود ثابتة ولم تتغير إلا في أضيق الحدود منذ القرن السادس عشر، وهي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي على الرغم من أنها محاطة من جميع الجهات بهذا الاتحاد، ولم تدخل عضوا في الأمم المتحدة إلا في 2002 على الرغم من وجود الكثير والكثير جدا من المكاتب والهيئات التابعة للمنظمة الدولية ولغيرها من المنظمات التي تتخذ من مدينة جنيف السويسرية مقرا لها بما فيها ثاني أكبر مقر للأمم المتحدة في العالم، وهي مهد مؤسسة الصليب الأحمر الدولية والمقر الرئيسي له في جنيف أيضا، ومدينتي زيوريخ وجنيف تدخلان بصفة مستمرة ضمن قوائم أفضل خمسة مدن لإقامة الإنسان وجودة الحياة على مستوى العالم، وهي دولة يحكمها نظام فيدرالي فريد، فلا يوجد لها رئيس محدد وإنما مجلس فيدرالي مكون سبعة أعضاء أو وزراء، ولها نظام مميز لإقرار القوانين، وهي دولة متعددة اللغات، والنسبة الكبرى من شعبها يتحدثون الألمانية ويقطنون الشرق والشمال الشرقي، ثم الناطقون بالفرنسية ويقطنون الغرب، ثم الناطقون بالإيطالية ويقطنون الجنوب، ونسبة صغيرة جدا يتحدثون الرومانية ويقطنون جزءا من الجنوب الشرقي، وكل فئة من هذه الفئات تعتبر لغتهم لغة أولى لهم، لدرجة أنك قد لا تجد من تتفاهم معه باللغة الألمانية إذا انتقلت إلى الشطر الفرنسي مثلا! إلى غير ذلك من السمات التاريخية والجغرافية الفريدة التي لا يكاد المرء يجدها في أي مكان آخر في العالم.
ومن ناحية شعبها، فمن تعاملت معهم من قاطني الشطر المتحدث بالألمانية من سويسرا يتميزون بود شديد وترحاب يقابلون به الغرباء، حتى أنني لم أشعر بينهم أنني غريب، ويسهل على من يعيش بينهم أن يلاحظ مدى حبهم الشديد أن يكونوا متميزين عن غيرهم ومختلفين ومتفردين حتى في شكل بيوتهم، بل إنك تجد فيشة الكهرباء لديهم مختلفة عنها في أي بلد آخر، ويتعين عليك أن تشتري توصيلة خاصة حتى يمكنك استخدام الأجهزة الكهربائية والالكترونية إذا أتيت بها من خارج سويسرا!! حتى القوانين لديهم تشعر أنها مجنونة إلى حد بعيد، هذا مع التسليم بوجود قدر هائل من احترام الانسان وآدميته، وإعلاء قيم القانون فوق أي شيء، شأنهم شأن باقي المجتمعات المتحضرة ولكن تشعر عندهم بنوع من التميز في أنهم يستمتعون بتطبيق القوانين واحترام النظام!! وكان مما لاحظته عندهم - وأعتقد أن شأنهم في ذلك شأن بقية البلدان الأوروبية - أن الأبقار في المراعي الشاسعة المنتشرة في كل مكان لا يفصلها عن الطرق العمومية التي تسير فيها السيارات سوي حبل ضعيف لا يكفي لكي يمنع بقرة صغيرة من اقتحام طرق السيارات، ومع ذلك لا تجرؤ بقرة واحدة على الاقتراب من ذلك الحبل!! حتى أننا كنا نعلق على ذلك بعبارة "حتى البقر عندهم منظم"!!
وعادة ما يحالفني الحظ في زياراتي لهذا البلد فأتعامل مع نوعيات مختلفة من البشر، تنتمي لجنسيات مختلفة، فعادة ما يستضيفنا أثناء الإقامة صديقي رجل الأعمال النمساوي السيد ماتياس هو صاحب الشركة التي نتعامل معها، ويعمل معه في شركته وفي الشركات المجاورة له عدد من النمساويين، وأحتك وأتعامل مع ألمان وبعض من سكان دولة ليختنشتين، بالإضافة لبعض السويسريين من قاطني الشطرين الألماني والفرنسي، هذا بخلاف بعض من النازحين من جمهوريات يوغوسلافيا السابقة من البوسنيين أيضا وبعض الألبان والأتراك، وكلا من هؤلاء له مزاج مختلف وطبائع مميزة عن الآخر، وهو ما أشعر أنه قد ساهم في إثراء رصيدي الاجتماعي بشكل كبير، بل إن لي بينهم صداقات أعتز بها وأداوم عليها.
وقد تميزت زيارة هذه المرة بقصرها حيث لم تستمر سوى 12 يوما فقط، ولم يتخللها سوى أجازة اسبوعية واحدة، وكنا نعمل فيها حتى ساعات متأخرة يوميا، إلا أنني قد استمتعت بهذه الزيارة ربما أكثر من أي زيارة سبقتها، فقد حالفنا الحظ وقمنا خلال الأجازة الأسبوعية يوم الأحد بجولة سياحية شملت عدة مواقع نمساوية، وطبعا صحبنا فيها مرافقنا صديقي النمساوي، فقمنا بزيارة قرية جورتيز الجبلية التي يقيم فيها هذا الرجل ثم بريجينز وهي مدينة كبيرة على شاطئ بحيرة كونستانتس، ومدينة دورنبيرن أكبر مدن ولاية فورارلبيرج النمساوية، بالإضافة للتنزه على جبال وبحيرات وكهوف في كل تلك المدن والقرى، كل ذلك في يوم واحد!!!
8/5/2011
No comments:
Post a Comment
أسعدني تشريفك، وبلا شك سيسعدني أكثر تعليقك، فلا تبخل به:)