Wednesday, June 8, 2011

"لماذا تمشي حافيا"



يحكى أنه كان هناك غابة يعيش فيها عدد من الحيوانات، وكان يحكم هذه الغابة أسد ويتولى نمر منصب الوزير والقائم على الأمور التنفيذية واللازم منه في الغابة، وكان من بين الحيوانات التي تعيش في تلك الغابة أرنب، ولم تكن العلاقة بين النمر وهذا الأرنب على ما يرام، وسعى النمر عدة مرات لطرد هذا الأرنب من الغابة بدون جدوى، وذلك راجع بالأساس إلى تميز الأرنب بذكاء ونباهة عالية، وتميز النمر بغباء ومحدودية وسطحية في التفكير لا يقارن بها أحد في الغابة!
ولم يستطع النمر أن يتغلب على كرهه وبغضه الشديد لذلك الأرنب، ولم تفلح جلسات الصلح وتقريب وجهات النظر بينهما، ويوما وراء يوم كان النمر يحاول تصيد الأخطاء للأرنب، والأرنب يحاول تجنب أي تصرف يمكن أن يوقعه تحت قبضة النمر المتسلط، ويحاول قطع الطرق عليه ويسد عليه كل الذرائع والحجج التي قد تتيح له مهاجمته.
وحدث أن النمر قد هداه تفكيره إلى افتكاس حجة جديدة لا يستطيع الأرنب أن يفلت منها، وقرر على الفور تنفيذها، وأخذ يبحث عن الأرنب المتعوس حتى عثر عليه واستوقفه وسأله: "لماذا تمشي حافيا؟" فانفرج فم الأرنب وتباعد فكه الأسفل عن فكه الأعلى وشخص بصره في ذهول ولم يستطع الإجابة على هذا السؤال العجيب! فما كان من النمر إلى أن هوى بيده على مؤخرة رقبة الأرنب وردد بصوت مرتفع: "ألا تسمعني؟ لماذا تمشي حافيا؟" ولم يستطع الأرنب المسكين أن يفيق من صدمة ذلك السؤال، فكل من بالغابة من حيوانات يمشي حافيا ولا يرتدي شيئا في قدميه!، فإذا بالنمر يوجه ركلة عنيفة بقدمه إلى مؤخرة الأرنب يدفعه بها مترين إلى الأمام وهو يتمتم: "إذا تكرر هذا الموقف منك مرة أخرى فلا تلومن إلا نفسك!!"

وبعد أن أفاق الأرنب من ذهوله، أطرق قليلا وقرر أن يعترض على ما فعله النمر معه إذا قابله مرة أخرى، ومر يوم أو يومين، وتقابل النمر والأرنب صدفة في الغابة، وقبل أن يحصل الأرنب على أية فرصة في تحريك لسانه والنطق بأي حرف كان كل شيء قد انتهى، بنفس سيناريو العلقة السابقة، ولا كف زاد ولا ركلة نقصت، وانصرف النمر بعدها وهو يتمتم بنفس الكلمات، وتكررت نفس الحادثة عدة مرات خلال فترة وجيزة، وبات واضحا أن النمر قد وجد الوسيلة المثلى كي يهبب عيشة الأرنب ويجبره على ترك الغابة!
وبعد حين، قرر الأرنب أن يذهب إلى الأسد ويشتكي تصرف النمر معه لملك الغابة، وكيف أنه يسأله في كل مرة يقابله فيها "لماذا أمشي حافيا؟" مع أن جميع الحيوانات في الغابة لا ترتدي شيئا في رجلها، فأنصت الأسد جيدا لشكوى الأرنب، ووعده بأن يدرس شكواه ويتخذ الإجراء المناسب مع النمر، وذلك بعد أن قام الأسد بالتأكيد للأرنب أنه لا يرضيه هذا التصرف من النمر، فانصرف الأرنب من عند الأسد معتقدا أن النمر لن يجرؤ على تكرار تصرفه مرة أخرى.
وشعر الأسد بعد انصراف الأرنب بمدى الخطورة التي تشكلها مثل تلك التصرفات الحمقاء من النمر على استقرار عرشه، فالأسد لا يريد أن يشاع في الغابة أن نظام حكمه غاشم وظالم، فقام الأسد باستدعاء النمر، ووبخه قائلا: "لماذا تتصرف مع الأرنب بهذه الطريقة؟ ألا يوجد لديك أي قدر من الحنكة؟ إذا كنت لا تطيق الأرنب وترغب في أن تؤذيه بأي شكل فذلك حقك، ولكن لابد أن يكون لك حجة مقنعة لذلك، فلابد أن يقتنع المضروب بسبب الضرب!" فأجابه النمر: "نعم سيدي، ولكني لا أجد سببا مقنعا أتحجج به لضرب الأرنب، فقد أبطل الأرنب كل حججي سابقا" فقال له الأسد محاولا إفهامه: "عليك أن تختار أسبابا منطقية للضرب، مثلا أطلب من الأرنب أن يأتيك بتفاحة، فإن أتى لك بتفاحة خضراء اضربه كما تشاء وقل له أنك كنت تريدها حمراء، وهكذا يكون لديك حجة في ضرب الأرنب"، ويبدو أن هذا الكلام قد وجد صدى كبيرا لدى النمر، وشعر بأنه لأول مرة سينتقل إلى مصاف الأذكياء باتباع تعليمات الأسد.
فذهب النمر إلى الغابة وأخذ يبحث عن الأرنب حتى وجده، فقال له: "أريد تفاحة"، فتنبه الأرنب لحيلة النمر وفطن لها، فقام بالرد عليه: "أتريد تفاحة خضراء أم تفاحة حمراء؟!؟!" فانتفخ وجه النمر واحمر واستشاط غضبا حتى كادت دماغه أن تنفجر، وصرخ بعنف شديد في وجه الأرنب وهو يهوي بيده على مؤخرة دماغه قائلا: "لماذا تمشي حافيا؟!"


قصة قرأتها منذ زمن ولا أذكر مصدرها


بهاء طلعت
8/6/2011

No comments:

Post a Comment

أسعدني تشريفك، وبلا شك سيسعدني أكثر تعليقك، فلا تبخل به:)