Saturday, February 25, 2012

إحسان عبد المقابل


كان إحسان سائرًا في الطريق بمفرده عندما أوشك الليل أن ينتصف، لم يكن يراه أحد، انتفض فجأة، ثم سكن روعه حينما تيقن أن تلك المرأة العجوز الجالسة على جانب الطريق مرتدية ملابس سوداء تقليدية ما هي إلا سائلة قد تكون الحاجة الملحة هي التي دفعتها للجلوس في هذا المكان وفي تلك الساعة المتأخرة، أخرج ما فيه القسمة وأعطاه لها، كان سعيدًا لعدم وجود أحد يلاحظه، تمنى أن تكون هذه هي صدقة السر التي وعد المصطفى صلى الله عليه وسلم من تصدق بها كثير من الخير.
في الصباح، وجد إحسان نفس تلك السيدة تركب إحدى السيارات الفارهة وتمر أمامه وهو واقف على المحطة بانتظار الأتوبيس! ظل طوال اليوم مكتئبًا وحزينًا على تلك الأموال التي تصدق بها بالأمس على تلك السيدة، تمتم قائلا: "إن كان هناك من أحد بحاجة للصدقة فهو أنا بالتأكيد، وليس هذه السيدة، لن أعطيها شيئا بعد اليوم"
**** **** **** ****
نادتها جارتها من شرفة المنزل الملاصق لشرفة منزلها، كانت أول مرة تتعامل معها فإحسان ما تزال عروس جديدة في الحارة الضيقة، طلبت منها جارتها كبريت وقطعة بصل واعتذرت لأن زوجها نسي أن يترك لها بعض الأموال، فدخلت إحسان مسرعة إلى المطبخ وبكل حب وود حملت علبة الكبريت وانتقت عدة قطع من البصل حملتهم لجارتها وناولتهم لها من شرفة المنزل وهي في منتهى السعادة.
بعد أسبوع، ذهبت إحسان إلى جارتها تلك حاملة هدية صغيرة تحاول بها أن تمد حبال الود مع جارتها، فتحت الجارة الباب وسمحت لها بالدخول بينما أسرعت لتحمل صينية الأكل التي كانت منصوبة على الأرض حيث كانت تتناول فطورها، لم تقم بدعوتها للأكل معها، حزنت إحسان من تصرف جارتها معها، وقالت في نفسها: "هل هذا هو جزاء الإحسان؟ لن أعطيها شيئًا بعد اليوم"
**** **** **** ****
كم ذهبت إلى حماتها حاملة هدايا كثيرة، وكم وقفت بجانبها في كثير من المواقف، كانت إحسان سعيدة جدًا أنها نجحت في إقامة علاقة طيبة مع حماتها، فحماتها سيدة طيبة وفاضلة، وإحسان تحب زوجها كثيرا وتتمنى أن تسعده بشتى الطرق.
وذات يوم، كانت إحسان عند حماتها تساعدها في تجهيز عزومة كبيرة لضيوف سيأتون إلى بيت حماتها، ساعدتها بكل مجهودها وهي في منتهى السعادة، وعندما جاء الضيوف، انشغلت الحماة بالضيوف تماما، ولم تلتفت إلى إحسان بحوارات الود والمحبة التي تربطهما عادة، لم تفهم إحسان أن اهتمام حماتها المبالغ فيه بالضيوف واهتمامها الشديد بهم ليس معناه أنها تتجاهلها او تُسيء إليها، ولذلك قررت أن تقاطع حماتها.
**** **** **** ****
القصص الثلاثة هي لشخصيات قريبة جدًا منا، ربما كان أخي أو أبوك أو زوجتك بطل أو بطلة في إحداها، وربما أكون أنا أو أنت أحد أبطالها، إنها كلها لنفس الشخصية، شخصية "إحسان عبد المقابل"، فكل أبطال هذه الشخصيات قد قام بأعمال خير وإحسان وأدّاها على أكمل وجه، لا يختلف اثنان على ذلك، لكن المشكلة أنه انتظر من وراء إحسانه مقابلا ماديًا أو معنويًا ممن أحسن إليه، فصار عبدًا للمقابل، وصار إحسانه مشروطًا بضرورة وجود مقابل له، ونسي أن إحسانه ذلك ليس للشخص الذي تلقى منه الإحسان!!
إنما الإحسان يكون لوجه الله، والمقابل لا ينبغي أن يتم انتظاره من البشر، إنما ننتظره من الله.

25 comments:

  1. بسم الله وبعد
    قصص رائعة مليئة بالعبر والعظات التي يجب علينا أن نتعلمها وواجب علينا أيضا أن نقابل الاحسان بإحسان مثله وكل ذلك يكون لوجه الله تعالى حتى تؤجر عليه وليس مقالب غرض أو متاع دنيوي
    للاسف اليوم كثير من الناس (إلا من رحم ربي) يتبعون طريقة المقابل
    وهناك مثل يقول : إعمل خير وارمي في البحر
    ولكن نقول : إعمل خير واحتسب عند الله

    تحياتنا واحترامنا وتقديرنا لك أخانا في الله
    مـ أحلام ـازن

    ReplyDelete
  2. أحسنت ...
    بارك الله فيك وأعزك

    ReplyDelete
  3. الإخوة الرنتيسيان الأعزاء..
    جزاكما الله خيرا..
    كم نحن بحاجة لتصحيح الكثير من المفاهيم، فديننا مليء اللفتات الرائعة، ودور كل منا أن يحاول استعادة لفتة من هذه اللفتات.
    خالص تحياتي ومودتي واحترامي..

    ReplyDelete
  4. أستاذي الغالي/ محمد الجرايحي..
    جزاك الله خيرا على دعواتك الطيبة والصادقة.
    تقبل خالص تقديري واحترامي..

    ReplyDelete
  5. ((ان الله لايضيع اجر من احسن عملا ))صدق الله العظيم

    ان اردت جزاءك عن احسانك في الدنيا

    ثق ان الله سيعوضك وسيعطيك اضعاف ماتصدقت

    (( اعط السائل ولواتاك علي ظهر خيل )))

    صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم

    تحيتي اخي

    ReplyDelete
  6. نعم سيدي هو الرياء الذي يتحكم في الخير الذي يقوم به اغلب الناس انتظار المقابل من الخلق و عدم انتظار ما يجود به الخالق عليك لهو اثم عظيم
    ربما صنعت معروفا في مخلوق لكن الغرض الاساسي انك تنتظر المقابل من الخالق انها النية التي تتحكم في افعالنا و من هنا كانت الاعمال بالنيات
    تحياتي لك

    ReplyDelete
  7. السلام عليكم

    هى صحيفتى أملأها بما احب
    وصحيفتهم يملأوها بما يحبون


    المفروض على كل مسلم لا ينتظر جزاء ولاشكورا على فعل الخير فهو احوج مايكون لفعل الخيرات دائما ليثقل ميزان حسناته

    واذا التفتنا للجزاء من الناس اذن ( فقد قيل )

    لكن يجب ان يكون العمل خالص لوجه الله

    احييك اخى بهاء على قصتك الطيبة ومضمونها الهادف

    تحياتى وتقديرى

    ReplyDelete
  8. السلام عليكم

    لفتة مهمة جدا...

    وأهم ما توضحه في ظني أن الشيطان لا يتركنا حتى بعد إتمام العمل، فيحاول إبطاله إما بعجب بالعمل أو بمثل هذه المواقف..!

    تحياتي الدائمة.

    ReplyDelete
  9. أخي العزيز/ خالد (سواح في ملك الله)
    هذه أول مرة أستمع فيها إلى هذا الحديدث: (( اعط السائل ولواتاك علي ظهر خيل )))
    والحقيقة أن وراءه مغزى كبير.
    تحياتي للفتة جميلة، ومنك نتعلم.

    ReplyDelete
  10. أخي وحبيبي/ مصطفى سيف الدين..
    "انها النية التي تتحكم في افعالنا و من هنا كانت الاعمال بالنيات"
    أشكرك كثيرا على إضافتك التي أكدت المعنى وأضافت إليه.
    تقبل خالص تحياتي..

    ReplyDelete
  11. أخي وحبيبي العلومانجي/ ماجد القاضي.
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
    "وأهم ما توضحه في ظني أن الشيطان لا يتركنا حتى بعد إتمام العمل، فيحاول إبطاله إما بعجب بالعمل أو بمثل هذه المواقف..!"
    أشكرك كثيرا على المعنى الجميل الذي أضفته إلى ما كتبت.
    وصدقني أنني استمتعت كثيرًا بكل تلك الإضافات الجميلة من أقلام متميزة ومحببة إلى قلبي.
    شكر آخر على مكالمتك الجميلة التي أسعدتني كثيرًا.
    أدام الله بيننا المودة والاحترام.
    تقبل خالص تحياتي..

    ReplyDelete
  12. أحييك كثيرا علي هذه القصص الجميلة و ما تحمله من معاني طيبة، و في نظري أن من ينتظر مقابل إحسانه من بشر مثله، بينما ما ينتظره عند الله هو خير و أعظم أجرا، فهو ليس بمحسن بل هو من يحتاج للإحسان!
    لا حرمنا الله كتاباتك و بارك الله فيك و في قلمك.

    ReplyDelete
  13. أختي العزيزة/ إسراء..
    "و في نظري أن من ينتظر مقابل إحسانه من بشر مثله، بينما ما ينتظره عند الله هو خير و أعظم أجرا، فهو ليس بمحسن بل هو من يحتاج للإحسان!"

    معنى جميل جدا أضفتيه في تعليقك، والحقيقة أن تعليقات الأصدقاء على هذه التدوينة أضافت إليها الكثير من المعاني.
    جزاك الله وجزاهم كل خير..

    ReplyDelete

  14. السلام عليكم:
    بارك الله في جهدك اخي بهاء..
    قصص جميله معبره..
    اعجبنتني التسميه(إحسان عبد المقابل...:)..
    مثلك لم اسمع بالحديث الذي ازرده الاخ (سواح)..
    بحثت عنه ..لم اجد له اثر..

    ولكن هناك احاديث كثيره عن الصدقات ..
    وأقربها لقصص البوست هذا الحديث الصحيح..

    ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال رجل : لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته ، فوضعها في يد سارق ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق على سارق ، فقال : اللهم لك الحمد ، لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق الليلة على زانية ، فقال : اللهم لك الحمد ، على زانية . لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته . فوضعها في يدي غني ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق على غني ، فقال : اللهم لك الحمد ، على سارق ، وعلى زانية ، وعلى غني ، فأتي : فقيل له : أما صدقتك على سارق : فلعله أن يستعف عن سرقته ، وأما الزانية : فلعلها أن تستعف عن زناها ، وأما الغني : فلعله يعتبر ، فينفق مما أعطاه الله .
    الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1421
    خلاصة حكم المحدث: [صحيح] ))

    تحياتي وبارك الله بك..

    ReplyDelete
  15. الأخت الفاضلة/ أم هريرة..
    "هى صحيفتى أملأها بما احب
    وصحيفتهم يملأوها بما يحبون"

    معنى جميل واقتباس رائع..

    جزاك الله كل خير.

    ReplyDelete
  16. أخي الغالي/ ابن الإيمان...
    جزانا وجزاك الله خيرا..
    بصراحة حديث أخي سواح حتى وإن كان غريبًا، فإنه يصب في نفس المعنى، ويبقى على أخينا سواح التحقق من صحته والبحث عن مصدره حتى لا يقع في إثم الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم.
    أما الحديث الذي أتحفتنا به في تعليقك، فقد جاءت تدوينتي تحمل نفس معانيه، وصلى الله وسلم على الأمي الذي علم الدنيا.
    مازلت أتفاجأ بالتعليقات الجميلة والإضافات الرائعة على هذه التدوينة، ومازلت أكرر شكري وامتناني لكل من أدلى بدلوه في هذا الموضوع.
    جزاك الله جميعا كل خير.

    ReplyDelete
  17. ابني الغالي "العلومانجي "الأصيل بهاء ..منذ التقيتك في معرض الكتاب وأنا احمل لك تقديراً من نوع خاص فبعض الناس ترتاح لمرآهم وتتمنى أن تراهم دائماً وأنت من هذا النوع يا طلعت ..أما الموضوع الذي تتحدث عنه فهو بالفعل موضوع هام..والمعروف أن اليد العليا أحب عند الله من اليد السفلى واظن ان المقصود ٌ باليد العليا هي اليد الممدودة دائماً بالعطاء وبالخير ..وكل عمل خير هو يدٌ عليا ..تحياتي وشكري

    ReplyDelete
  18. الأم العزيزة/ ماما زيزي (كما تحبين أن يناديك المدونين)..
    شرفت كثيرا بلقائك في المعرض، وازدت شرفا بزيارتك الكريمة والتعليق الراقي الذي وضعتيه هنا في المدونة، فلك جزيل الشكر والتقدير..
    تقبلي تحياتي..

    ReplyDelete
  19. يا سلام يا سلام على المواعظ والعبر :)

    الصديق بهاء، أعتقد أنك تمتلك ملِكة التأثير على الناس، وإقناعهم بأن يفعلوا الخير..
    أكرمك الله.

    تحياتي :)

    ReplyDelete
  20. أخي ع. سالم.
    جزاك الله خيرًا.
    التأثير على الناس لا يمكن أن يحدث بدون منطق، وصاحب المنطق في هذا الزمان مجنون!!

    ReplyDelete
  21. للأسف الشديد ..

    يُخشى على أمثال هؤلاء أن يدخلوا ضمن قوله تعالى : " أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه "

    هؤلاء قد عملوا للدنيا معتقدين أنهم سينالوا من الله جزاء ما قدموا فيها , إلا أنه سبحانه قد أحبط أعمالهم ..

    فجزاؤهم فى الدنيا التى عاشوا لها وعملوا من أجلها , وليس لهم أخرٌ فى الآخرة التى غفلوا عنها ولم يعملوا لها.

    قصص مُعبرة جداً أخى بهاء .. بارك الله فيك

    ReplyDelete
  22. أخي/ محمد نبيل..
    جزاك الله خيرا وأعزك.

    ReplyDelete
  23. قصة جميلة وبها عبرة .. فالاحسان لا يقابله إلا الاحسان .. ولا تنتظر المقابل من البشر بل من رب البشر ..

    استمتعت بالقراءة وان شاء الله تكون ضمن الكتاب ان شاء الله ..

    بالتوفيق أخي بهاء .

    ReplyDelete
  24. الأخت العزيزة/ وجع البنفسج..
    جزاك الله خيرا على كلماتك الطيبة..
    يشرفني طبعا أن يكون اسمي بين ثنايا كتاب يجمع بين طياته نخبة المدونين العرب.
    تقبلي تحياتي..

    ReplyDelete

أسعدني تشريفك، وبلا شك سيسعدني أكثر تعليقك، فلا تبخل به:)