الحضارة الصينية القديمة.. ربما كانت أفضل.. صورة بكاميرتي من السيارة |
سأتكلم اليوم عن ملاحظاتي وما سجلته عيناي من متابعات للجوانب الاجتماعية لشعب الصين بالذات في الجوانب المتعلقة بالمرأة، وأتمنى أن لا تكون هذه التدوينة صادمة للبعض.
أول ما يلفت نظرك هناك هو أنه لا فرق يمكن أن تدركه عيناك بين رجالهم ونساءهم! الجميع يرتدي زيا موحدا (تقريبا)، ربما فقط الشعر الطويل للنساء هناك هو أكثر ما يميزهم، على الرغم من أنهم جميعا يرتدون زيا أقرب ما يكون إلى التوحد، طبعا هذا الأمر مرتبط بالوظائف الحكومية.
فمثلا موظفات التأشيرة في المطار لا يختلف مظهرهم وهيئتهم كثيرا عن رجال (وسيدات) الشرطة بالمطار، وعلى الطرق السريعة التي تربط بين المدن تقع محطات لتحصيل الرسوم (كرتة) يعمل فيها رجل أو سيدة بنفس الملابس ونفس الهيئة ونفس الملامح.
إنها المساواة التي يحلم بها بعض من المضحوك عليهم من أبناء ديننا وللأسف.
بخلاف ذلك فقد لفت نظري بشدة مدى الاحتقار والامتهان الذي وصلت إليه المرأة هناك كنتيجة لتلك المساواة بين الرجل والمرأة، فالنساء هناك يعملون في كل شيء يمكن أن تتخيله أو لا تتخيله، المصانع التي زرناها والتي تعتبر من الصناعات شديدة التلوث والضرر على صحة الإنسان في نفس الوقت التي تحتاج فيها إلى قوة وجلد، تجد من يعمل فيها من الرجال والنساء سواء، بدون أي مراعاة للطبيعة البشرية المختلفة! فالمرأة هناك تعمل بيديها تماما مثل الرجل، وتتقاضى أجرا أقل منه (عادة) ولذلك فهي عنصر مرغوب فيه من المجتمع (لُقطَة يعني)، وفي المساء، تجد الشوارع تعج ببنات الليل.
مدينة "إيوو" التي أقمنا فيها ينتشر فيها العرب بشكل كبير، وبالتالي فهي مدينة تجارية كبيرة وهي من المدن الغنية في الصين، لذلك تجد فيها الكثير من المحلات التي تستهدف ما هو ممنوع ومحرم لدى العرب عموما الذين تصاحبهم سمعة سيئة (عادة) في كثير من الأماكن التي يتواجدون فيها بكثرة بسبب اهتماماتهم تلك، فما نقرأه ونشاهده من إعلانات لمراكز التجميل في بعض صحفنا العربية تجده هناك مكتوبا ومرسوما على واجهات المحلات باللغة الصينية والإنجليزية والعربية وبدون أي قدر من الحياء!
زرنا بيت واحد ممن كنا نعمل معه في الصين، فوجئنا بزوجته تخرج علينا بملابس تستر أقل بكثير مما تكشف، بل وتجلس معنا وتحضر الحوار الذي دار بيننا على الرغم من أنها لا دخل لها به، فإن لم تجد لها كرسي أحيانا فإنها تقف وزوجها ولا كأنه يراها! ولا أظن أن ذلك كان بدافع أو هدف اقتصادي بل إنها عادات اجتماعية تساوي بين الرجل والمرأة! ففي تحليلي لتلك المواقف الغريبة، أظن أن الشيوعية قد سعت لتحقيق ذلك الهدف (المساواة بين الرجل والمرأة) بأن لا تجعل فرقا بينهم في أي شيء، فلما شعر أبناء البلد بمدى الخلل في ذلك، ومع هبوب رياح الرأسمالية على الصين، أضيفت سلبيات الحضارة الغربية المتمثلة في الانحلال الأخلاقي إلى سلبيات إرث الشيوعية الاجتماعية المتمثلة في الإهمال والانحدار الأخلاقي لنصل إلى توليفة أخلاقية واجتماعية كالتي ذكرتها هنا.
حي سكني راقي (جدا) في مدينة إيوو.. صورة من السيارة |
هناك في "إيوو" تجد السيارات الفارهة جدا تسير بجوار أرصفة يجلس عليها شحاذون فقراء يتسولون بكل اللغات، تجد سيارات تقف لتبيع في الشارع ما يحمله سائقها تماما كما يحدث عندنا في العتبة، إنه تفاوت اجتماعي وطبقي رهيب.
وعلى الرغم من كل ذلك، تستشعر جمال الشوارع ونظافتها، في الوقت الذي تشعر فيه بمدى التخلف الحضاري الذي يعانيه أغنياء وفقراء البلد على السواء، فنظافة الشوارع وتحضرها أعلى بكثير مما تجده من تحضر لدى المواطن العادي أو حتى فوق العادي، وهو أمر عجيب، حيث أن المسئولية والرغبة في تنظيف وتحضر البلاد هناك مصدرها هو الحكومة (عكس ما هو موجود في بلادنا غالبا) بينما تجد أهل البلد في واد آخر، في الغالب لا اكتراث لهم بذلك! (أو هذا ما شعرت به).
انطباعي عن انفعالات أهل هذه البلاد أنهم يتميزون ببرود شديد في الانفعالات والعواطف، ربما أكثر حتى من الأوروبيين، فمثلا لو تعرض أحدهم لموقف مستفز في الطريق وهو يسير بسيارته أو لو تعرض لحادث مثلا، فلن تجد أي نوع من النرفزة أو الانفعال في تصرفاته، بل ربما لا ينظر حتى لمن أخطأ في حقه، وطبعا هذا لا يقارن بكم الانفعالات والنرفزة وحرق الأعصاب الذي يصيب الشرقيين (وبعض الغربيين) إذا تعرضوا لموقف مشابه.
انطباعي عن انفعالات أهل هذه البلاد أنهم يتميزون ببرود شديد في الانفعالات والعواطف، ربما أكثر حتى من الأوروبيين، فمثلا لو تعرض أحدهم لموقف مستفز في الطريق وهو يسير بسيارته أو لو تعرض لحادث مثلا، فلن تجد أي نوع من النرفزة أو الانفعال في تصرفاته، بل ربما لا ينظر حتى لمن أخطأ في حقه، وطبعا هذا لا يقارن بكم الانفعالات والنرفزة وحرق الأعصاب الذي يصيب الشرقيين (وبعض الغربيين) إذا تعرضوا لموقف مشابه.
تنتشر الدراجات البخارية والكهربائية هناك انتشارا كثيفا في الشوارع، والدراجات الكهربائية تحديدا تجدها في كل مكان، وهناك الكثير من المقاهي المنتشرة بالشوراع التي تجد فيها مصادر للكهرباء لشحن هذه الدراجات!
كنت أظن أن في بلادنا فقط تسري عبارة "الإنسان أرخص من أي شيء" فوجدتها هناك تسري بصورة أكثر بشاعة.
هذا عن الجانب الاجتماعي والحضاري والإنساني فقط، أما بقية الجوانب، فلها تدوينات خاصة، فإلى اللقاء.
السلام عليكم
ReplyDeleteتدوينة اليوم ثرية جدا بما تحمل من معلومات وملاحظات كبيرة
لن تجدانسان يحترم المرأة بقدر المسلم فى كل مكان فلو صادفك فى تلك البلاد مسلم لن تجد زوجته تقف كتفها بكتف الرجال هكذا او لا تستحى من ملبسها الذى يكشف منها اكثر ما يستر مثل المسلمة
واقول المسلم اى الذى يتمسك باداب دينه وتعاليم الاسلام لا من يعصى الله وينساق وراء ملذاته وشهواته
والله اخى بهاء حتى من قابلتهم فى هذا الحى الفاسد من العرب لو رأيتهم ببلادهم ستجدهم يحافظون على نسائهم ولا يسمحون لهم بمثل هذه الامور لكن يكتفون بها لانفسهم فقط وهذا هو المسلم ايضا حتى لو عصى الله لا يسمح بهذا لبناته ونسائه
كان لى حظ كبير ان صادقت كثير من الصينيين اثناء الدراسة وكنت اتعجب من طريقة لبسهم بالفعل كما لو انهم عمال نظافة :)
الصين بلاد كثيفة السكان بطريقة ملحوظة والفقر فيها يفوق الخيال لذلك تعمل المرأة مثلها مثل الرجل واحيانا يبيعون ابناءهم من الفقر
الحمد لله اخى بهاء انك عدت لمصر المحروسة الطيبة برغم كل مافيها من هموم ومشاكل :)
سعدت بتدوينتك واستفدت كثيرا منها بارك الله فيك
تحياتى لك وفى انتظار التالية ان شاء الله
دمت بخير
الصّين بلد عملاق ، لاشكّ أن له إيجابياته و بصمته في الحضارة المعاصرة ، كذلك تشوبه النّقائص كما كلّ عالم مادّي التوجّه و علماني المرجعيّة ...
ReplyDeleteشكرا لنقل واقع قد نجهل عنه الكثير .
صاحب الزمن الجميل
شكرا لك اخي على هذه المعلومات القيمة التي تبرز لنا كثيرا مما نجهله عن اهل الصين
ReplyDeleteبالنسبة لوضع المرأة صحيح المرأة المتغربة في بلادنا تتمنى ذلك مع فرق واحد انها تطلب المساواة حين تكون في صالحها و العكس بالعكس ليبقى الرجل ضحية
اخي الرائع بهاء
ReplyDeleteانت تتحدث عن شعب يقارب في تعداده المليار ونصف
مليار
ذوا حضارة قديمة
ولا اعرف كنت قد قرأت قبل ذلك ولست متذكرا المصدر
ان قوم يأجوج ومأجوج الذين سوف ياتون في اخر الزمان
سوف يخرجون من هذه البقعة من العالم
بسم الله الرحمن الرحيم
(91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)
صدق الله العظيم
اما عن وضع النساء هناك
فهو حقا يرثي له
بسم الله وبعد
ReplyDeleteطرح موفق أخي في الله
تحياتي واحترامي وتقديري لك
مررت من هنا وأعجبت بالمضمون :)
أخوك في الله \ مازن الرنتيسي
www.alrantisi.net.tc
موضوع جميل
ReplyDeleteو بالطبع ليس كل عمل مناسب للمرأة أو للرجل فطبيعتهما مختلفة
و الصين بلد نما سريعا و نافس الكبار فى اقتصاده و لكن هذا لا ينفى وجود الكثير من العيوب
ووضع المرأة هناك مؤسف جدا و الحصول على اجر اقل من الرجل لنفس العمل موجود ايضا فى بلدان اخرى مثل بعض دول أوروبا رغم انه غير قانونى هناك لكنهم يتحايلون على القانون
شكرا لك على الموضوع المفيد
الأخت الفاضل/ أم هريرة..
ReplyDeleteتعليقك الرائع أضاف الكثير إلى ما ورد في هذه التدوينة.. وأنا أؤيدك في كلماتك..
كان معنا مترجم صيني مسلم طوال الرحلة، لم نر زوجته ولا نساؤه، وحتى صوره الخاصة لم تحتوي على أي صورة لنسائه.. وهذا فقط تأييد لكلامك..
إنه الإسلام في كل مكان وزمان.
تقبلي تحياتي..
أخي الرائع/ منجي بكير..
ReplyDeleteربما كانت تدوينة اليوم قاسية بعض الشيء على الصينيين، ولكن التدوينة القادمة بإذن الله أخف وطأة وأكثر متعة..
تقبل تحياتي..
أخي الفاضل/ د. محمد أبو عز الدين..
ReplyDelete"تطلب المساواة حين تكون في صالحها و العكس بالعكس ليبقى الرجل ضحية"
أنا رأيي الطيب أحسن :))
تقبل تحياتي..
أخي الغالي/ سواح في ملك الله..
ReplyDeleteربما كان العنوان الرئيسي لهذه السلسل "عند مشارق الأرض" متأثرا ببعض آيات سورة الكهف.. "حتى إذا بلغ مشطلع الشمس"..
لكن طبعا أنا لا أزعم أنني قد قابلت هناك هؤلاء القوم "يأجوج ومأجوج" فلا يعلم مكانهم ولا مكان ردمهم إلا الله وهم من علامات الساعة الكبرى ونعوذ بالله من شرهم فقم "حرث النار" كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم..
تقبل تحياتي..
أخي العزيز/ أبو مجاهد الرنتيسي..
ReplyDeleteسعدت كثيرا - كما العادة - بمرورك العطر من هنا.. وأسعدني أكثر أن محتوى الموضوع قد راق لك..
تقبل خالص تحياتي..
الأخت الغالية/ شهرزاد المصرية..
ReplyDeleteالنمو الاقتصادي للصين وسر ذلك النمو هو موضوع التدوينة القادمة بإذن الله..
أما مسألة الظلم الاجتماعي للمرأة فقد أردت أن أبرزها ليعلم كل من ينادي بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة أن ضريبة ذلك باهظة جدا ولا تدفع ثمنها إلا المرأة، ولن يخرج العالم بوضع يحترم المرأة وحقوقها أفضل مما اختاره لها ديننا الحنيف.
تقبلي تحياتي..
حقيقي انا بشكرك علي هذه المعلومات القيمه
ReplyDeleteمنتظر المزيد
حتى وإن كانت الحكومة الصينية هى السبب الحقيقى وراء نظافة الشوارع وليس أهل البلد .. فهو بالتأكيد أفضل من معظم بلادنا العربية التى ليس فيها جهاز حكومى مسؤول عن النظافة وإن وُجد فلا يوجد شعب يساعده.
ReplyDeleteأما بالنسبة إلى وضع المرأة .. فالمساواة الحقيقية بين المرأة والرجل - بل التكريم الحقيقى لها - هو فى الاسلام .. ولكن .. " يا ليت قومى يعلمون ".
أشكرك أخى بهاء على هذه التدوينة الثرية.
عزيزي/ rack your minds
ReplyDeleteأشكرك شكرا جزيلا على كلماتك الطيبة وأسعدني أن التدوينة قد راقت لك.
تقبل تحياتي..
أخي الفاضل/ محمد نبيل..
ReplyDeleteما كتبته عن موضوع الاهتمام بنظافة الشوارع في الصين كان نابعا من دهشتي أن المواطنون هناك لا يبدو عليهم ولا على تصرفاتهم أي وجه من أوجه التناسب مع نظافة تلك الشوارع، فقد شعرت حقا بمدى الفجوة الشاسعة بين تحضر الحكومة متمثلة في نظافة الشوارع، والتأخر الحضاري للمواطن العادي الذي يسير في هذه الشوارع.
وأوافقك طبعا في ما قلته عن موضوع المرأة.. وياليت قومي يعلمون..
تقبل تحياتي..
رغم أن الإعلام يعطي صورة مخالفة عن هذه البلد
ReplyDeleteفيعطينا أنها بلد العراقة والخير والإحترام
ورغم حبي لبعض عادات هذه الدولة
لكني لم أستغرب ما قلت
فهذه الدوله بها الكثير من الكوارث الطبيعية
بل إنها تعتبر أكثر منطقة بها كوارث طبيعية
وذلك بسبب الإنحلال الأخلاقي المتواجد هناك
واستغلال المرأه في كل شئ
أما عن برودهم .. فقد شاهدت وسمعت قصصا عنهم توضح مدى فظاعة برودة أعصابهم .. فأظن أن البرود يبقى فيهم حتى وان كانو في حرب
أما عن أن الإنسان أرخص من أي شئ
فقد أصبح هذا معتادا في أغلب الدول
أشكرك أخي على موضوعك الرائع .. ونحن في انتظار مواضيعك الأخرى
الأخت الفاضلة/ نبض الأمل..
ReplyDeleteلقد علقت على كل النقاط التي تكلمت فيها في التدوينة تقريبا بإيجاز معبر.
لفت نظري تعليقك على سبب كثرة الكوارث في ذلك البلد وعلاقة ذلك بشيوع الانحلال الأخلاقي، فما سمعناه هناك من قصص وروايات يفوق كل تصور..
"ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا"
تقبل خالص تحياتي..