Saturday, May 12, 2012

عند مشارق الأرض (3).. حضارة مفقودة

الحضارة الصينية القديمة.. ربما كانت أفضل.. صورة بكاميرتي من السيارة
سأتكلم اليوم عن ملاحظاتي وما سجلته عيناي من متابعات للجوانب الاجتماعية لشعب الصين بالذات في الجوانب المتعلقة بالمرأة، وأتمنى أن لا تكون هذه التدوينة صادمة للبعض.
أول ما يلفت نظرك هناك هو أنه لا فرق يمكن أن تدركه عيناك بين رجالهم ونساءهم! الجميع يرتدي زيا موحدا (تقريبا)، ربما فقط الشعر الطويل للنساء هناك هو أكثر ما يميزهم، على الرغم من أنهم جميعا يرتدون زيا أقرب ما يكون إلى التوحد، طبعا هذا الأمر مرتبط بالوظائف الحكومية.
فمثلا موظفات التأشيرة في المطار لا يختلف مظهرهم وهيئتهم كثيرا عن رجال (وسيدات) الشرطة بالمطار، وعلى الطرق السريعة التي تربط بين المدن تقع محطات لتحصيل الرسوم (كرتة) يعمل فيها رجل أو سيدة بنفس الملابس ونفس الهيئة ونفس الملامح.
إنها المساواة التي يحلم بها بعض من المضحوك عليهم من أبناء ديننا وللأسف.
بخلاف ذلك فقد لفت نظري بشدة مدى الاحتقار والامتهان الذي وصلت إليه المرأة هناك كنتيجة لتلك المساواة بين الرجل والمرأة، فالنساء هناك يعملون في كل شيء يمكن أن تتخيله أو لا تتخيله، المصانع التي زرناها والتي تعتبر من الصناعات شديدة التلوث والضرر على صحة الإنسان في نفس الوقت التي تحتاج فيها إلى قوة وجلد، تجد من يعمل فيها من الرجال والنساء سواء، بدون أي مراعاة للطبيعة البشرية المختلفة! فالمرأة هناك تعمل بيديها تماما مثل الرجل، وتتقاضى أجرا أقل منه (عادة) ولذلك فهي عنصر مرغوب فيه من المجتمع (لُقطَة يعني)، وفي المساء، تجد الشوارع تعج ببنات الليل.
مدينة "إيوو" التي أقمنا فيها ينتشر فيها العرب بشكل كبير، وبالتالي فهي مدينة تجارية كبيرة وهي من المدن الغنية في الصين، لذلك تجد فيها الكثير من المحلات التي تستهدف ما هو ممنوع ومحرم لدى العرب عموما الذين تصاحبهم سمعة سيئة (عادة) في كثير من الأماكن التي يتواجدون فيها بكثرة بسبب اهتماماتهم تلك، فما نقرأه ونشاهده من إعلانات لمراكز التجميل في بعض صحفنا العربية تجده هناك مكتوبا ومرسوما على واجهات المحلات باللغة الصينية والإنجليزية والعربية وبدون أي قدر من الحياء!
زرنا بيت واحد ممن كنا نعمل معه في الصين، فوجئنا بزوجته تخرج علينا بملابس تستر أقل بكثير مما تكشف، بل وتجلس معنا وتحضر الحوار الذي دار بيننا على الرغم من أنها لا دخل لها به، فإن لم تجد لها كرسي أحيانا فإنها تقف وزوجها ولا كأنه يراها! ولا أظن أن ذلك كان بدافع أو هدف اقتصادي بل إنها عادات اجتماعية تساوي بين الرجل والمرأة! ففي تحليلي لتلك المواقف الغريبة، أظن أن الشيوعية قد سعت لتحقيق ذلك الهدف (المساواة بين الرجل والمرأة) بأن لا تجعل فرقا بينهم في أي شيء، فلما شعر أبناء البلد بمدى الخلل في ذلك، ومع هبوب رياح الرأسمالية على الصين، أضيفت سلبيات الحضارة الغربية المتمثلة في الانحلال الأخلاقي إلى سلبيات إرث الشيوعية الاجتماعية المتمثلة في الإهمال والانحدار الأخلاقي لنصل إلى توليفة أخلاقية واجتماعية كالتي ذكرتها هنا.
حي سكني راقي (جدا) في مدينة إيوو.. صورة من السيارة
هناك في "إيوو" تجد السيارات الفارهة جدا تسير بجوار أرصفة يجلس عليها شحاذون فقراء يتسولون بكل اللغات، تجد سيارات تقف لتبيع في الشارع ما يحمله سائقها تماما كما يحدث عندنا في العتبة، إنه تفاوت اجتماعي وطبقي رهيب.
وعلى الرغم من كل ذلك، تستشعر جمال الشوارع ونظافتها، في الوقت الذي تشعر فيه بمدى التخلف الحضاري الذي يعانيه أغنياء وفقراء البلد على السواء، فنظافة الشوارع وتحضرها أعلى بكثير مما تجده من تحضر لدى المواطن العادي أو حتى فوق العادي، وهو أمر عجيب، حيث أن المسئولية والرغبة في تنظيف وتحضر البلاد هناك مصدرها هو الحكومة (عكس ما هو موجود في بلادنا غالبا) بينما تجد أهل البلد في واد آخر، في الغالب لا اكتراث لهم بذلك! (أو هذا ما شعرت به).
انطباعي عن انفعالات أهل هذه البلاد أنهم يتميزون ببرود شديد في الانفعالات والعواطف، ربما أكثر حتى من الأوروبيين، فمثلا لو تعرض أحدهم لموقف مستفز في الطريق وهو يسير بسيارته أو لو تعرض لحادث مثلا، فلن تجد أي نوع من النرفزة أو الانفعال في تصرفاته، بل ربما لا ينظر حتى لمن أخطأ في حقه، وطبعا هذا لا يقارن بكم الانفعالات والنرفزة وحرق الأعصاب الذي يصيب الشرقيين (وبعض الغربيين) إذا تعرضوا لموقف مشابه.
تنتشر الدراجات البخارية والكهربائية هناك انتشارا كثيفا في الشوارع، والدراجات الكهربائية تحديدا تجدها في كل مكان، وهناك الكثير من المقاهي المنتشرة بالشوراع التي تجد فيها مصادر للكهرباء لشحن هذه الدراجات!
كنت أظن أن في بلادنا فقط تسري عبارة "الإنسان أرخص من أي شيء" فوجدتها هناك تسري بصورة أكثر بشاعة.
هذا عن الجانب الاجتماعي والحضاري والإنساني فقط، أما بقية الجوانب، فلها تدوينات خاصة، فإلى اللقاء.

18 comments:

  1. السلام عليكم
    تدوينة اليوم ثرية جدا بما تحمل من معلومات وملاحظات كبيرة

    لن تجدانسان يحترم المرأة بقدر المسلم فى كل مكان فلو صادفك فى تلك البلاد مسلم لن تجد زوجته تقف كتفها بكتف الرجال هكذا او لا تستحى من ملبسها الذى يكشف منها اكثر ما يستر مثل المسلمة

    واقول المسلم اى الذى يتمسك باداب دينه وتعاليم الاسلام لا من يعصى الله وينساق وراء ملذاته وشهواته
    والله اخى بهاء حتى من قابلتهم فى هذا الحى الفاسد من العرب لو رأيتهم ببلادهم ستجدهم يحافظون على نسائهم ولا يسمحون لهم بمثل هذه الامور لكن يكتفون بها لانفسهم فقط وهذا هو المسلم ايضا حتى لو عصى الله لا يسمح بهذا لبناته ونسائه

    كان لى حظ كبير ان صادقت كثير من الصينيين اثناء الدراسة وكنت اتعجب من طريقة لبسهم بالفعل كما لو انهم عمال نظافة :)

    الصين بلاد كثيفة السكان بطريقة ملحوظة والفقر فيها يفوق الخيال لذلك تعمل المرأة مثلها مثل الرجل واحيانا يبيعون ابناءهم من الفقر


    الحمد لله اخى بهاء انك عدت لمصر المحروسة الطيبة برغم كل مافيها من هموم ومشاكل :)

    سعدت بتدوينتك واستفدت كثيرا منها بارك الله فيك
    تحياتى لك وفى انتظار التالية ان شاء الله

    دمت بخير

    ReplyDelete
  2. الصّين بلد عملاق ، لاشكّ أن له إيجابياته و بصمته في الحضارة المعاصرة ، كذلك تشوبه النّقائص كما كلّ عالم مادّي التوجّه و علماني المرجعيّة ...

    شكرا لنقل واقع قد نجهل عنه الكثير .

    صاحب الزمن الجميل

    ReplyDelete
  3. شكرا لك اخي على هذه المعلومات القيمة التي تبرز لنا كثيرا مما نجهله عن اهل الصين
    بالنسبة لوضع المرأة صحيح المرأة المتغربة في بلادنا تتمنى ذلك مع فرق واحد انها تطلب المساواة حين تكون في صالحها و العكس بالعكس ليبقى الرجل ضحية

    ReplyDelete
  4. اخي الرائع بهاء

    انت تتحدث عن شعب يقارب في تعداده المليار ونصف

    مليار

    ذوا حضارة قديمة

    ولا اعرف كنت قد قرأت قبل ذلك ولست متذكرا المصدر

    ان قوم يأجوج ومأجوج الذين سوف ياتون في اخر الزمان

    سوف يخرجون من هذه البقعة من العالم

    بسم الله الرحمن الرحيم
    (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)

    صدق الله العظيم

    اما عن وضع النساء هناك

    فهو حقا يرثي له

    ReplyDelete
  5. بسم الله وبعد
    طرح موفق أخي في الله
    تحياتي واحترامي وتقديري لك
    مررت من هنا وأعجبت بالمضمون :)

    أخوك في الله \ مازن الرنتيسي
    www.alrantisi.net.tc

    ReplyDelete
  6. موضوع جميل
    و بالطبع ليس كل عمل مناسب للمرأة أو للرجل فطبيعتهما مختلفة
    و الصين بلد نما سريعا و نافس الكبار فى اقتصاده و لكن هذا لا ينفى وجود الكثير من العيوب
    ووضع المرأة هناك مؤسف جدا و الحصول على اجر اقل من الرجل لنفس العمل موجود ايضا فى بلدان اخرى مثل بعض دول أوروبا رغم انه غير قانونى هناك لكنهم يتحايلون على القانون
    شكرا لك على الموضوع المفيد

    ReplyDelete
  7. الأخت الفاضل/ أم هريرة..
    تعليقك الرائع أضاف الكثير إلى ما ورد في هذه التدوينة.. وأنا أؤيدك في كلماتك..
    كان معنا مترجم صيني مسلم طوال الرحلة، لم نر زوجته ولا نساؤه، وحتى صوره الخاصة لم تحتوي على أي صورة لنسائه.. وهذا فقط تأييد لكلامك..
    إنه الإسلام في كل مكان وزمان.
    تقبلي تحياتي..

    ReplyDelete
  8. أخي الرائع/ منجي بكير..
    ربما كانت تدوينة اليوم قاسية بعض الشيء على الصينيين، ولكن التدوينة القادمة بإذن الله أخف وطأة وأكثر متعة..
    تقبل تحياتي..

    ReplyDelete
  9. أخي الفاضل/ د. محمد أبو عز الدين..
    "تطلب المساواة حين تكون في صالحها و العكس بالعكس ليبقى الرجل ضحية"
    أنا رأيي الطيب أحسن :))
    تقبل تحياتي..

    ReplyDelete
  10. أخي الغالي/ سواح في ملك الله..
    ربما كان العنوان الرئيسي لهذه السلسل "عند مشارق الأرض" متأثرا ببعض آيات سورة الكهف.. "حتى إذا بلغ مشطلع الشمس"..
    لكن طبعا أنا لا أزعم أنني قد قابلت هناك هؤلاء القوم "يأجوج ومأجوج" فلا يعلم مكانهم ولا مكان ردمهم إلا الله وهم من علامات الساعة الكبرى ونعوذ بالله من شرهم فقم "حرث النار" كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم..
    تقبل تحياتي..

    ReplyDelete
  11. أخي العزيز/ أبو مجاهد الرنتيسي..
    سعدت كثيرا - كما العادة - بمرورك العطر من هنا.. وأسعدني أكثر أن محتوى الموضوع قد راق لك..
    تقبل خالص تحياتي..

    ReplyDelete
  12. الأخت الغالية/ شهرزاد المصرية..
    النمو الاقتصادي للصين وسر ذلك النمو هو موضوع التدوينة القادمة بإذن الله..
    أما مسألة الظلم الاجتماعي للمرأة فقد أردت أن أبرزها ليعلم كل من ينادي بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة أن ضريبة ذلك باهظة جدا ولا تدفع ثمنها إلا المرأة، ولن يخرج العالم بوضع يحترم المرأة وحقوقها أفضل مما اختاره لها ديننا الحنيف.
    تقبلي تحياتي..

    ReplyDelete
  13. حقيقي انا بشكرك علي هذه المعلومات القيمه

    منتظر المزيد

    ReplyDelete
  14. حتى وإن كانت الحكومة الصينية هى السبب الحقيقى وراء نظافة الشوارع وليس أهل البلد .. فهو بالتأكيد أفضل من معظم بلادنا العربية التى ليس فيها جهاز حكومى مسؤول عن النظافة وإن وُجد فلا يوجد شعب يساعده.

    أما بالنسبة إلى وضع المرأة .. فالمساواة الحقيقية بين المرأة والرجل - بل التكريم الحقيقى لها - هو فى الاسلام .. ولكن .. " يا ليت قومى يعلمون ".

    أشكرك أخى بهاء على هذه التدوينة الثرية.

    ReplyDelete
  15. عزيزي/ rack your minds
    أشكرك شكرا جزيلا على كلماتك الطيبة وأسعدني أن التدوينة قد راقت لك.
    تقبل تحياتي..

    ReplyDelete
  16. أخي الفاضل/ محمد نبيل..
    ما كتبته عن موضوع الاهتمام بنظافة الشوارع في الصين كان نابعا من دهشتي أن المواطنون هناك لا يبدو عليهم ولا على تصرفاتهم أي وجه من أوجه التناسب مع نظافة تلك الشوارع، فقد شعرت حقا بمدى الفجوة الشاسعة بين تحضر الحكومة متمثلة في نظافة الشوارع، والتأخر الحضاري للمواطن العادي الذي يسير في هذه الشوارع.
    وأوافقك طبعا في ما قلته عن موضوع المرأة.. وياليت قومي يعلمون..
    تقبل تحياتي..

    ReplyDelete
  17. رغم أن الإعلام يعطي صورة مخالفة عن هذه البلد
    فيعطينا أنها بلد العراقة والخير والإحترام
    ورغم حبي لبعض عادات هذه الدولة
    لكني لم أستغرب ما قلت
    فهذه الدوله بها الكثير من الكوارث الطبيعية
    بل إنها تعتبر أكثر منطقة بها كوارث طبيعية
    وذلك بسبب الإنحلال الأخلاقي المتواجد هناك
    واستغلال المرأه في كل شئ
    أما عن برودهم .. فقد شاهدت وسمعت قصصا عنهم توضح مدى فظاعة برودة أعصابهم .. فأظن أن البرود يبقى فيهم حتى وان كانو في حرب
    أما عن أن الإنسان أرخص من أي شئ
    فقد أصبح هذا معتادا في أغلب الدول

    أشكرك أخي على موضوعك الرائع .. ونحن في انتظار مواضيعك الأخرى

    ReplyDelete
  18. الأخت الفاضلة/ نبض الأمل..
    لقد علقت على كل النقاط التي تكلمت فيها في التدوينة تقريبا بإيجاز معبر.
    لفت نظري تعليقك على سبب كثرة الكوارث في ذلك البلد وعلاقة ذلك بشيوع الانحلال الأخلاقي، فما سمعناه هناك من قصص وروايات يفوق كل تصور..
    "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا"
    تقبل خالص تحياتي..

    ReplyDelete

أسعدني تشريفك، وبلا شك سيسعدني أكثر تعليقك، فلا تبخل به:)