Wednesday, December 5, 2012

بصمة على باب الدار

تقدم بخطى مضطربة نحو الباب الموصد.
تمتم بكلمات غير مفهومة، كانت شفتاه ترتعشان بشدة لدرجة أنه لم يكن يستطيع أن يوقف تلك الكلمات عن أن تخرج من بين شفتيه، كانت كلمات أقرب للحنق واللعن والسباب.
وبسرعة هوت إحدى قدميه الضخمتين على الباب.
كانت ضربة قوية جدا، لم يستطع ذلك الباب الخشبي العتيق أن يصمد أمامها، فتهاوى وهو يصرخ إلى أن انتهى الأمر بانفجار قوي دوى في أرجاء الحارة الضيقة، ولم يكن ذلك الصوت إلا نتيجة لاحتضان الأرض لذلك الباب!التفت كل من بالداخل فجأة، كانت قدمه الضخمة ما تزال معلقة في الهواء حينما نظروا إليه، وكانت الدماء تتساقط من حذائه العسكري الذي يرتديه بقدمه.
أصابهم الهلع بمجرد أن رأوا شبح الموت متخفيا في شكل السلاح الذي يحمله في يده، ذلك السلاح الذي دوى صوت طلقاته قبل لحظات مختلطًا بصيحات وصراخ جيرانهم في الحارة.
"يا إلهي"، صرخ الأب وهو يحاول أن يطوق بناته السبعة بذراعيه وأسرع بترديد الشهادتين، بينما سقطت الأم مغشيا عليها من هول المفاجأة المتوقعة.
وما هي إلا لحظات، حتى تحركت يده مصوبة السلاح الآلي إلى تلك البقعة التي تقوقع فيها الأب وبناته السبعة، وكاد أن يضغط على الزناد، ثم التفت فجأة فوقعت عيناه على الأم المغشي عليها، لم يكن قد رآها بعد.
تحركت داخل رأسه العفن عدد من السيناريوهات القذرة، أيقتلها أم يغتصبها؟
الوقت لا يسمح له بأي تأخير، فالمطلوب هو إبادة كل مخلوق بالحارة قبل أن يصل إليها فرد من الجيش الحر المرابض على بعد أمتار قليلة خارج الحارة.
إذن لا مجال إلا للدم فقط، ولا بأس بقليل من الاستمتاع بمجاري الدماء، وذلك نوع آخر من المتعة لا يعرفه إلا أمثاله!
حسم أمره سريعا، وبضغطة واحدة على الزناد، تقاذفت الرصاصات من فوهة السلاح متسارعة صوب كل من بالبيت.
اختلطت أصوات الرصاص المتقاذف بصرخات الصبايا وصيحات الأب وتنهدات الأم المغشي عليها.
ثم سرت في أجسادهم جميعا رعدة شديدة معلنة أن أرواحهم جميعا قد فاضت إلى بارئها بينما كانت دماؤهم تختلط معا لتكون نهرا أرجوانيًّا صغيرا، جرف في طريقه تلك الدمى القطنية التي كانت تلعب بها الصبايا قبل قليل، ولم يتوقف ذلك النهر إلا تحت حذائه العسكري الذي يرتديه في قدمه الضخمة.
وعندئذ، استدار تاركًا المنزل متجها إلى المنزل المجاور في تلك الحارة، مخلفا أسرة من الضحايا الغارقين في الدماء...
وبصمة دموية لحذائه العسكري على باب الدار وهو يعانق الأرض.

8 comments:

  1. لا أكذب إن قلت أن روحي أخذت من نصك أجنحة حلقت بها في فضاء حروفك ..

    تصوير لوحش متسخ يقطر من حذائه دم زكي ..

    لك تحياتي استاذي ..

    ReplyDelete
  2. حســـبنا الله ونعم الوكيل
    كم هى مؤلمة تلك التدوينة الرائعة وحتمًا لا تصور إلا القليل مما يمرون به..اللهم انصرهم وأنعم عليهم بالأمن.
    مع تحياتى.

    ReplyDelete
  3. جزاك الله خيرا أخي فلا سبيل لإيصال فكرة ما إلا بجعل
    القارئ يعيشها، وهو ما نجح النص به كرهان، وهو ما
    يدفعنا للقاعدة المعروفة انسانيا وهي أن نتخيل أنفسنا
    وأبناءنا في هذا الموقف الرهيب.
    مودتي

    ReplyDelete
  4. أخي الحبيب/ بندر الأسمري...
    جزاك الله خيرا على كلماتك الطيبة، وكتب الله السلامة لإخواننا في سوريا، ووقانا الله وجميع المسلمين من المهالك.
    تقبل خالص تحياتي...

    ReplyDelete
  5. الأخت الفاضلة/ حبيبة...
    الألم الذي يراودنا كلما قرأنا بعض الكلمات أو شاهدنا بعض الفيديوهات لما يحث هناك، من المؤكد أنه نذر يسير مما يعيشه أهلنا وإخواننا في سوريا...
    اللهم عجل لهم بالفرج.

    ReplyDelete
  6. أخي الراقي/ عبدالعاطي طبطوب...
    كما ذكرت يا أخي، فكم تخيلت أبنائي في هذا المشهد، وكم تخيلت نفسي وزوجتي في هذا المشهد، وكم تخيلت إخواني في كل مكان في نفس المشهد.
    إنه موقف عصيب.. نسأل الله أن ينجي إخواننا في سوريا وفي كل مكان منه.
    تقبل خالص مودتي واحترامي...

    ReplyDelete
  7. حسبى الله ونعم الوكيل
    ألا إن نصر الله قريب
    ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنيين
    تحياتى المعطرة

    ReplyDelete
  8. أخي الحبيب/ مسلم مصري...
    جزاك الله خيرا على تواجدك العطر.
    إن مع العسر يسرا.
    تقبل خالص تحياتي...

    ReplyDelete

أسعدني تشريفك، وبلا شك سيسعدني أكثر تعليقك، فلا تبخل به:)