نظرت إلى ساعتي، كانت الساعة تقترب من الخامسة والنصف مساء، لم يتبق على المغرب سوى أقل من عشر دقائق، ما يزال هناك وقت يسمح لي بأن أتناول وجبة سريعة قبل أن أصلي المغرب، وإذا جاء ذكر وجبة سريعة في وسط البلد فلا أجمل من سندوتشات آخر ساعة...
دلفت إلى فرع آخر ساعة القريب من ميدان طلعت حرب، كان المكان شبه فارغ وكأن الناس جميعا قد ذهبوا إلى حفلة مسائية، ثم علمت فيما بعد لماذا هجر الناس المكان.
تقدمت بطلبي إلى عامل السندوتشات وانتظرت حتى ينتهي من إعداد طلبي، كانت هناك مساحة من الوقت تسمح بحوار قصير جدا.
أمال العامل رأسه تجاهي وهمس بصوت خافت: "إيه رأيك في التحرش يا شيخ؟!"
كان السؤال مفاجئأ لي، حيث أنني لم أكن أتوقع أبدا أن هذا موضوع مطروح للمناقشة، ولوهلة تمنيت لو أنني تخلصت من لحيتي حتى أتمكن من النزول بمستوى الحوار بعيدا عن قيود اللحية في موضوع كهذا، ووجدتني في النهاية أغمز إليه بعيني وأنا أقول له: "هوه فيه أحسن من التحرش؟!"
نظر إلي مرتابا في هيئتي التي لا تعبر أبدا عن هذا الرد الغريب، ولمح ابتسامة صغيرة على وجهي ففهم أنني أمازحه، فنظر إلي بجدية لم أتوقعها، حيث قال: "أنا بتكلم بجد وعايز أعرف رأيك!!"
أجبته: "رأيي في إيه؟! وهيه دي فيها رأي؟!"
واستطردت قائلا: "الاتنين غلطانين"، فاندهش العامل قائلا: "إزاي يعني؟" فأجبته: "يعني لما واحدة تكون لابسة لبس تنكسف تلبسه قدام جوزها، وتنزل التحرير وسط شوية شباب معظمهم بلطجية وشمامين و و و ، وبعد كدة لما يعتدوا عليها يبقى مين اللي غلطان؟!"
نظر إلي باستغراب وكأنه لم يكن يتوقع مني تلك الإجابة، في نفس الوقت الذي انتهى من إعداد السندوتشات، فقررت أن أغادر.
بعد دقائق كنت في زيارة سريعة إلى "راديو أرابيسك"، ذلك المكان الذي دخلته للمرة الأولى لرؤية صديقي العزيز الذي يختلف معي كثيرا "مصطفى سيف الدين"، كنت أتوق لرؤيته بعد أكثر من عام على لقائنا الأول، وكان لقاء جميلا رغم قصره.
لم أشأ أن أعود إلى المنزل مباشرة، وقررت أن أتجول في وسط البلد قليلا وأتابع أسعار الأوكازيونات.
هالني ما شاهدته وما قابلته من انتشار كثيف للباعة الجائلين في شوارع وسط البلد، بالذات شارع طلعت حرب، ما هذه الفوضى العارمة!
توقفت أمام إحدى الفاترينات، ففوجئت بأحد الباعة الجائلين يصر على اجتذابي لمشاهدة ما يعرضه من ملابس على رصيف الشارع، ولأنني لم أكن مهتما بذلك، فقد تعرضت لحملة قاسية من العبارات التي جلدني بها ذلك البائع، حيث لم يترك شيئا لم يسبه، الشيوخ والرئيس وكل من له لحية والإخوان والسلفيين، وختم فاصل العبارات بمسك الختام: "جتكم داهية خربتوها يا ولاد ...."
وعند هذا الحد قررت أن أغادر إلى المنزل بأقصى سرعة، لأتعثر في طريق العودة بمزيد من الباعة الجائلين بخلاف جوقة الشحاتين ولفيف من الرجال والأطفال الذين التحفوا بسواد ليل القاهرة البارد ليقضوا ليلتهم على الرصيف.
اكتشفت عندها أن وسط البلد قد صارت مرتعا للتحرش، ليس بالنساء فقط ولكن بكل شيء، حتى آدمية الإنسان.
يمكن انت قلت كل حاجة هنا
ReplyDeleteالتحرش مش بس للبنات لكن اصبح بالادمية والانسانية والافكار كلها
مش عارفة اخى بهاء الشعب المصرى جرى له ايه وليه اصبحنا كده بين يوم وليلة
احاول اقنع نفسى ان الثورة نجحت وتاخدنى الفكرة لبعيد واصدق انها فعلا نجحت لكن يأتى جديد ليخبرنى ان هناك خلل كبير فى ناحية مجهولة من الثورة
دائما نلقى تبعاته على طرف ثالث لكن اعتقد ان الاصل فيها هى اعماقنا وارواحنا التى اصابها بعض العطب والفوضى من تاريخ طويل مع نظام فاسد وظالم لازلنا نتجرع نتائج تخاذلنا واستسلامنا له لسنوات كثيرة
اسأل الله تعالى ان يرزقنا الامن الامان
والله اخى بهاء نفسى اضحك او حتى ابتسم زى زمان مش عارفة لان قلبى مهموم بمصر كلها ومش عارفة اتخلص من الاحساس ده
يمكن انا مثلك بسبب النقاب اخشى ان ادخل اماكن او ازور اماكن ممكن القى فيها مضايقات وتم معى نقاشات كثيرة من هذا النوع :) بس الحمد لله انا عندى صبر غريب لحد ما اوصل اللى امامى انه يعترف انه مخطىء ( شغل ستات بقى ) هههه
وقبل ان انهى تعليقى اريد ان اقول كلمة حق ( صدقنى اخى بهاء الامر بالنسبة للتحرش لم يعد يقتصر على البنات اللى لبسها خارج فقط ) يمكن انا ضد خروج المرأة نهائيا فى مثل هذه التظاهرات وهذا رأيى والمساواة وحقوق المرأة والكلام ده ليس له شأن بان اعرض النساء لمثل هذه المواقف التى لم تخلق من اجلها
التحرش اصبح حتى للمنقبات والملتزمات فلا تسلم اى امرأة الان من مثل هذه الافعال الحقيرة كما لو ان بالفعل هناك من يتخذها مهنة له للاسف .
نسأل الله الستر بالدنيا والاخرة
لاحول ولاقوة الا بالله
تحياتى لك اخى بحجم السماء
السلام عليكم
ReplyDeleteانت فى مصر من امتى يا عم
مش كنت تقول والله نفسى أشوفك :)
انا لما بأتحط فى موقف زى ده بقوله ورايك إنت إيه ؟
واسيبه يرد على نفسه لأنى عارف كدة كدة مش عاجبه
وبالنسبة للجائلين الغلط مش عليهم
ناس مساكين عايزين ياكلوا لقمة بالحلال وفرلى البديل وانا امشى
الله يرحم الدولة يا بهاء بيه
تحياتى المعطرة
أخى الكريم : بهاء
ReplyDeleteالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شىء محزن ومخزى حقاً أن يحدث هذا فى مصر بلد الأزهر وريحانة الإسلام
حسبنا الله ونعم الوكيل
أخى شكرلك طرحك المتميز وتناولك الموضوعى كما عهدناك
والشكر موصول للأخت الفاضلة: ليلى الصباحى
حفظها الله ورعاها
أختي الفاضل/ ليلى الصباحي...
ReplyDeleteربنا يسترها علينا جميعا وعلى البلد كلها...
ثبتك الله وأعانك على ما أنت عليه..
تقبلي تحياتي...
أخي الحبيب/ مسلم مصري...
ReplyDeleteأنا في مصر من زماااان قوي!! وتحت أمرك في كل وقت وفي كل مكان كمان!!
لا أحب أن أجيب على سؤال أي أحد بسؤال :) وأفترض فعلا أن صاحب السؤال بحاجة إلى رد، ممكن أمزح معه لكن لا أرد عليه بسؤال (غالبا)
بالنسبة لموضوع الجائلين معاك حق إلى حد كبير، لكن بصراحة الموضوع وصل إلى حد التشويه لكل منطقة جميلة في وسط البلد، بالإضافة إلى أن الباعة نفسهم يتمتعون بمواصفات سيئة جدا في الغالب.
تقبل تحياتي...
أستاذي الفاضل/ محمد الجرايحي...
ReplyDeleteجزاك الله خيرا على كلماتك الطيبة، والشكر موصول لتدوينتك القيمة التي أثارت عندي الحماس للكتابة حول الموضوع.
تقبل تحياتي...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ReplyDeleteأساتذتي الأفاضل الذين سبقوني بالتعليق قالوا كل شيء تقريبا و لكن يظل سؤال : لماذا أصبح فينا كل هذا العنف و لم يعد هناك حدود فى الكلام و لا الأفعال أضف إلى هذا ما نسمعه عن حوادث تعذيب و و ، لماذا كل هذه القسوة !؟ أتمنى أن أجد عندكم الإجابة .
جزاك الله خيرا ، و شكرا جزيلا لك .
أستاذنا بهاء:
ReplyDeleteيحزننا ما تحدثت عنه بل ماتعرضت له و ما نراه بأعيننا من فوضي و تشويه لكل ما اعتدناه جميل، و من أخلاق دون المستوي تتسبب في الاعتداء علي آدميتنا، و لكن ما يزيد من همنا بل و يخيفني، علي المستوي الشخصي، أن يصل بنا الحال إلي درجة اللامبالاة و اعتياد مثل تلك المساوئ فيقول كل منا "يعني هي جت عليا!". لذا علينا دائما أن نذكر انفسنا بقول الله تعالي "إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم"، ثم من بعد بمقولة غاندي: (كن التغيير الذي تود أن تراه في العالم).
أما من باب المزاح، فقد لفت انتباهي قولك "لكن بصراحة الموضوع وصل إلى حد التشويه لكل منطقة جميلة في وسط البلد" فهل كان لسندوتشات آخر ساعة نصيبا من هذا التشويه ففقدت جودتها المعهودة؟! :)
جزاك الله خيرا
الأخت الفاضلة/ ريهام المرشدي...
ReplyDeleteأي مريض في الدنيا يكون جسده ومناعته ضعيفة لدرجة تسمح بهجوم استثنائي للأمراض والبكتيريا، ويظل كذلك إلى أن يتعافى بإذن الله...
فما بالك بأن هذا المريض قد صار موطنا لكثير من الأمراض المستعصية والتي تحتاج لفترة طويييييلة جدا للتخلص منها...
يا سيدتي إن وطننا يعاني من كارثة إسمها نقص التربية وللأسف، ولا يكاد تجدي بيتا في مصر لا يعاني من انحراف أحد أبنائه إلا ما رحم ربي لغياب التربية...
تخيلي... كانت هناك عبارة تتردد في مدرستي الثانوية منذ عشرين سنة أذكرها الآن، كان يوقولون "لا مدارس بعد مارس"، تخيلي بلد تظل فيها هذه الثقافة لمدة عشرين سنة، ويتطور فيها الموضوع إلى أن يصل إلى "لا مدارس على الإطلاق"، أي مستوى وصل إليه أبناؤها؟!؟
تقبلي تحياتي...
أختي الفاضلة/ إسراء...
ReplyDeleteجزاك الله خيرا على تعليقك الذي لمس نقاطا في غاية الأهمية...
حتى سندوتشات آخر ساعة، لم تعد كما كانت زمان وللأسف، صار مهتما أكثر بالمنظر والديكور، على حساب المضمون!!
تقبلي تحياتي...