Friday, June 17, 2011

سويسرا ثالث مرة - 3

كنت أظن في بداية كتابتي لهذه السلسلة أنني سأتطرق لوصف الكثير من المعالم والأماكن الجميلة التي قمت بزيارتها خلال رحلتي الأخيرة لسويسرا، ولكنني شيئا فشيئا وجدتني أتطرق للحديث عن مواقف خاصة قابلتني وملاحظات سجلتها على بعض الناس والتصرفات والمواقف، وأشعر بأنني أتجنب وصف الأماكن وروعتها وجمالها، وربما يعود ذلك إلى اهتمامي بالتطور الحضاري الذي وصل إليه هؤلاء القوم وتسجيلي للكثير من الإيجابيات والسلبيات التي تنتشر في بلادهم.
واليوم أتحدث عن الأكل والشرب في بلادهم، وأول ما أتطرق إليه في هذا اليوم هو قانون لديهم بتحريم ذبح المواشي، هذا القانون الذي أظنه ساريا ومنتشرا في كل البلاد الأوروبية، وهذا القانون يفرض على من يريد إزهاق روح أي حيوان أن يستخدم أي طريقة للقتل فيما عدا الذبح وفقا للشريعة الإسلامية!! وهذا القانون صادر عن اعتقاد من أبناء هذه البلاد وبضغوط ممن يطلق عليهم جمعيات الرفق بالحيوان، حيث يعتقد هؤلاء أن الذبح وإسالة الدماء من عروق الرقبة الأمامية كما يأمرنا ديننا الإسلامي يعتبر تعذيبا للحيوان، فيما تخلو وسائل القتل الأخرى كالصعق بالكهرباء أو الضرب بالرصاص أو حتى الذبح من مؤخرة الرقبة من التعذيب وفقا لرؤيتهم، أو على الأقل يعتبرون هذه الوسائل أقل تعذيبا للحيوان المقتول مقارنة بذبحه وفقا للشريعة الإسلامية!!!!
وأتذكر هنا مقولة شهيرة للسيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها حينما كانت تدفع بابنها للحرب فقال لها ابنها أنه ليس يخاف من مقاتلة أعدائه ولكنه يخشى أن يقوم الأعداء بالتمثيل بجثته، فقالت له تلك الجملة: "وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها؟!؟" فأي عذاب أكبر من القتل قد يتعرض له الكائن الحي، ولا أرى أن هناك طريقة للقتل هي أقل عذابا من الأخرى، فما جاء بعد القتل لا يساوي شيئا، وعند القتل تتساوى كل الطرق!! إن هؤلاء القوم قد غاصوا في حياتهم الدنيا، وتعمقوا فيها غير أنهم جهلوا أبسط الأشياء عن الموت وحقائقه وما بعد الموت، فهل يعقل أن طريقة معينة للموت تكون أكثر عذابا للكائن الحي أكثر من طريقة أخرى؟! إن العذاب الذي قد يقابله أي كائن حي يكون قبل أن يموت، أما لحظة الموت وما بعد الموت، فكل ذلك سواء، سواء مات محروقا أو مشنوقا أو مذبوحا، فكلها ميتة.
ولقد نهانا الإسلام عن تعذيب الحيوان قبل قتله أو ذبحه، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم شخصا يقود حيوانا بطريقة غليظة إلى المكان الذي سيقوم بذبحه فيه، فقال له صلى الله عليه وسلم: "قدها إلى الموت قودا جميلا"، ومن ذلك النهي عن أن يرى الحيوان أخاه الحيوان وهو يذبح أمامه، ومحاولة تجنب رؤية الحيوان للسكين الذي سيذبح به، وأن يكون الذبح سريعا، كل ذلك تجنبا لتعذيب الحيوان قبل وعند الذبح، فما أروع هذا الدين.
ويضاف إلى تلك الرؤية العقائدية ونظرة الإسلام الراقية إلى قتل الحيوان بغرض الاستفادة بلحمه، ما أثبته العلم الحديث من أن الذبح وفقا للشريعة الإسلامية وإراقة دم الحيوان قبل أكله، وبالذات من عرقي الرقبة "الأوداج"، هو الطريقة الوحيدة المتاحة للتخلص من الدم الذي يجري في عروق الحيوان، وأن عدم التخلص من هذا الدم بهذه الطريقة يتيح للدم أن يبقى منه بقايا داخل اللحم، وما يتبع ذلك من استيطان لأنواع متعددة من الميكروبات التي تصبح جزءا من اللحم، ولا يمكن التخلص منها حتى بالطهي، وأن الطريقة الوحيدة لكي نأمن شر هذه الميكروبات هي الذبح وإسالة الدماء وفقا للشريعة الإسلامية، وللعجب فإن هذه الأبحاث صادرة عن علماء الغرب ومراكزهم البحثية، وما عجبت له هو أن من قابلتهم من الغربيين وجدتهم على علم بذلك، ولكن يبدو أن علماؤهم يقفون عاجزين أمام رأي جمعيات حقوق الحيوان!!!
ولا أستطيع أن أمر على هذا الموضوع بدون أن أعرج بقلمي على إخواننا المسلمين في فلسطين الذين يقتلون بكل الأساليب، ولا تنفع ولا تجدي جمعيات حقوق الإنسان ولا جمعيات حقوق الحيوان في إنقاذ أرواح هؤلاء من قتلتهم من الإسرائيليين، وها هي الشعوب العربية قد لحقت بالفلسطينيين، فاختلط دماء شهداء فلسطين بشهداء العراق والصومال والسودان وتونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، وما زال الحبل في أوله، ولكن مع اختلاف هوية القاتل، فقد أضيف القاتل العربي المسلم إلى قائمة قتلة المسلمين والعرب وللأسف، فأين جمعيات حقوق اللإنسان، وأين جمعيات حقوق الحيوان، ليعلموا أن تلك الحيوانات التي يحرمون ذبحها وفقا للشريعة لهي أغلى لدى الغرب من المسلم لدى أخيه المسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل إن العذاب الذي يتعمد المسلم أن يذيقه لأخيه المسلم قبل أن يقتله، ذلك العذاب الذي يتنوع بين قلع الأظافر وفقأ العيون والصعق بالكهرباء، بل حتى الحرمان من شرب الماء لعدة أيام، كل هذا العذاب لا تتعرض بهائمهم له، فما أهون المسلمون على المسلمين؟!
أعود إلى سويسرا، دون أن أبتعد عن الموضوع الذي فتحته، فإن الوضع الذي ذكرته من تحريم ذبح الحيوانات في القارة الأوروبية، يؤدي إلى عدم إمكانية أكل أي أنواع من اللحوم أثناء إقامتنا في بلادهم، حيث أن كل هذه اللحوم تكون ميتة من وجهة النظر الشرعية، واللحوم الوحيدة التي يكون متاح لنا أكلها شرعيا هي لحوم البحر من أسماك أو غيره،  هذا بخلاف الهلع المعروف لدى المسلمين من أن يصيب طعامنا أيا من بقايا لحوم الخنزير أو دهونه أو أي آثار من المشروبات الكحولية، لا سيما ونحن نعيش بين قوم يعشقون هذه المحرمات أكثر من أي شيء آخر، كما أننا لا نأكل هناك إلا في المطاعم العامة، بمعنى آخر ربنا يستر، وكنتيجة طبيعية لبقائنا على هذا الحال طيلة إقامتنا هناك لحوالي إثنا عشر يوما، فإننا نصاب بعد حوالي أسبوع بنوع من أنواع زهد الأكل وفقدان الشهية نتيجة لعدم تنوع المأكل!!!
وللحقيقة فإن كل من نتعامل معهم من أهل هذه البلاد يقدرون تماما طبائع الغذاء الخاصة بنا، فنرى السيد ماتياس يقوم بتوجيه المطاعم التي نرتادها إلى أننا مسلمون ولا نأكل اللحوم بصفة عامة ولحوم الخنزير بصفة خاصة ولا نشرب الكحول وأنهم عليهم أن يتجنبوا هذه الأصناف في الأكل المقدم لنا، وعادة تكون البدائل المتاحة لنا من بين الوجبات المقدمة في أي مطعم أو فندق هي البطاطس المحمرة أو الأسماك أو المكرونة، بالإضافة إلى الصنف الذي أعشقه وهو البيتزا بالتونة طبعا!!!
وألتفت هنا إلى ملاحظة أخرى غريبة جدا صادفتها على متن الطائرة التي ركبناها أثناء عودتنا من مطار زيوريخ إلى القاهرة، حيث كان على متن الطائرة الكثير من الركاب الذين يبدو من ملامحهم أنهم عرب أو مصريون، أثناء جلوسي على مقعد الطائرة استمعت إلى كلمات ممن جلسوا حولي باللهجة المصرية، والمفاجأة كانت أن مضيفة الطائرة مرت علينا لتوزع على كل منا مشروب حسب الطلب، فقمت أنا وزميلي بطلب عصير برتقال، وقام عدد من هؤلاء المصريين بطلب خمور، وكانوا يحتسونها حتى وهم على متن الطائرة وأرواحهم معلقة بين السماء والأرض، لا يعلمون إن كانوا سيسيروا بأقدامهم مرة أخرى على الأرض أم سيقضي الله أمرا كان مفعولا، وبالإضافة إلى ذلك، فقد كنت أتجنب الأكل أثناء ركوب الطائرة لعدم علمي بمصدر اللحوم المقدمة على الخطوط السويسرية والتي غالبا سيكون مصدرها لحوم ميتة، أما هؤلاء المصريين فرأيتهم يأكلون منها بدون أدنى مشكلة فلا حول ولا قوة إلا بالله، ودار في خلدي تساؤلات حول المصريين من المقيمين والمسئولين وأعضاء السفارات والسلك الدبلوماسي الذين يقضون معظم حياتهم في هذه البلاد، هل يحاولون الالتزام بما نحاول نحن الالتزام به، وهل المسلمون منهم قد حاولوا أن يحافظوا على طيب مطعمهم؟!؟
وقبل أن أختم أعرج على محاولة وصف تحفة من التحف التي عشنا فيها خلال هذه الزيارة، فقد نجح السيد ماتياس في العثور على مطعم جميل جدا، محاط بالخضرة والمراعي من كل جانب، وملحق به ساحة مفتوحة وسط المراعي الخضراء، تجعل الجلوس فيه وتناول الطعام متعة لا يضاهيها متعة، فيشعر الجالس فيه أنه جالس في الجنة، حيث أن الريف والطبيعة لديهم والأراضي المفتوحة والجبال والهدوء كلها مصادر لنوع آخر من الجمال لم نعرفه في بلادنا، وقد عرف العاملون في هذا المطعم عنا أننا عرب مسلمون فصاروا يعرفون الأكلات التي نطلبها يوميا وكما ذكرت إما مكرونة بالجمبري أو بطاطس محمرة أو بيتزا بالتونة، حيث كانوا يقومون بتسميع تلك الأكلات لنا قبل أن نطلبها!!
بهاء طلعت
17/6/2011

2 comments:

  1. أحييك كثيرا علي أسلوبك الرائع و علي ما قدمت في هذه التدوينة من اراء سليمة فيما يتعلق بطريقة ذبح الحيوانات، اتفق معك تماما فيها و أشكرك شكرا جزيلا فقد استفدت منها الكثير في محاولة اقناع بعض الأشخاص هنا، و أبشرك بأنني قد نجحت بعض الشئ.
    جزاك الله خيرا

    ReplyDelete
  2. أختي العزيزة/ إسراء...
    يا سلام!!
    يعني صرت تسبقيني في الخير والدعوة إليه؟!
    ربنا يعينك ويوفقك وترجعي إلى مصر بخير..
    أرجو أن تطمنيني على أخبارك.
    تقبلي تحياتي...

    ReplyDelete

أسعدني تشريفك، وبلا شك سيسعدني أكثر تعليقك، فلا تبخل به:)