Wednesday, November 16, 2011

مالي أراكِ تكرهين الجنة؟!


تحرك الرجال.. الطريق شاق وطويل.. والعدو متربص في معقله.. الرجال يقتربون رويدا رويدا.. وما هي إلا ساعات قليلة ويصلون إلى ميدان المعركة.
قبل التحرك.. ودع كل رجل أهله.. فالمهمة خطيرة جدا.. واحتمال العودة منها يكاد يقترب من المستحيل.. باختصار.. إنها مهمة انتحارية.. ربما دمعت بعض العيون.. ولكن الهدف كان واضحا عند الجميع.. والموت في سبيله غاية يتمناها الجميع.. فأي شرف أعظم من أن يخرج من أي بيت من تلك البيوت شهيد يقتل في سبيل الله.. يتفاخر به أهله.. "نحن أهل الشهيد..."
ويصل الجيش إلى أرض المعركة.. إلى "مؤتة".. فتتسارع الأحداث بقوة.. جحافل الروم التي تصل إلى حوالي مائتي ألف مقاتل مسلحين بأقوى وأحدث الأسلحة تواجه جيشا من المسلمين قوامه حوالي ثلاثة آلاف مقاتل.. وتحسبا للمواجهة غير المتكافئة.. ينصِّب الرسول صلى الله عليه وسلم على قيادة الجيش ثلاثة من القادة.. إن مات الأول استلم الراية الثاني وهكذا.. فهم على الترتيب:
سيدنا زيد بن حارثة.. سيدنا جعفر بن أبي طالب.. سيدنا عبدالله بن رواحة.
وتشتعل المعركة غير المتكافئة.. ويعلو الغبار.. وتصعد معه أرواح شهداء المسلمين إلى السماء.. وتلتحف أرض المعركة بالدماء الزكية.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين أصحابه يروي لهم تفاصيل المعركة لحظة بلحظة وكأنه في مؤتة.. ويستشهد القائد الأول "زيد بن حارثة" فيكبر المسلمون في المدينة.. وتستمر المعركة تحت قيادة القائد الثاني "جعفر بن أبي طالب".. ويستشهد القائد الثاني في ميدان المعركة فيكبر المسلمون في المدينة..
وها هو عبدالله بن رواحة قد جاءته الفرصة للقيادة.. قيادة جيش استشهد في مركز قيادته قائدين.. وبدأ حوار قصير بينه وبين نفسه..
كلنا بشر..
كلنا يهاب الموت..
ولكنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الرجال الذين اصطفاهم واختارهم الله تعالى بعد أن اطلع على قلوب الرجال فاختار أصلحهم لصحبة نبيه..
عبدالله بن رواحة مع نفسه.. ينشد وهو يتقدم:
أقسَمتِ يا نَفسُ لتَنْزِلَنَّهْ *** لتَنْزِلَنَّ أو لَتُكْرَهَنَّهْ
إن أَجلَبَ الناسُ وشدُّوا الرَّنَّة *** مالِي أراكِ تكرهين الجَنَّةْ
يا نفسُ إلاَّ تُقتَلي تموتِي *** هذا حِمَامُ الموتِ قد صُلِّيتِ
ما تمنيتِ فقد أُعطِيتِ *** إِن تَفعَلي فِعْلَهُما هُدِيتِ
ثم تقدم وتقدم وانطلق.. وقاد رضي الله عنه جيش المسلمين بعد استشهاد صاحبيه.. وقاتل حتى استشهد ولحق بهما للقاء ربه..
وكبر الصحابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة..
"من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"

14 comments:

  1. بصدق..

    تعجبني كتاباتك جدًا عندما تتناول موضوعات دينية، تحياتي لك، إستطعت التأثير في من خلال هذه القصة فعلًا.

    :)

    ReplyDelete
  2. أخي العزيز ع. سالم..

    لا تتخيل كم يسعدني ويهدئ من روعي قراءة تعليق مثل تعليقك، حيث أتمنى ألا أكون قد أخفقت وأنا أكتب في مثل تلك الموضوعات بالذات..

    أسعدتني فعلا بتعليقك.. جزاك الله خيرا..

    تقبل خالص تحياتي..

    ReplyDelete


  3. السلام عليكم

    الشجاعة لا تكفي في مثل هذه المواقف
    هو تثبيت من الله
    لكن تكفي النية الصادقة والعزيمة وطلب المعونة من الله لكي ينال هذا التثبيت

    اللهم ارزقنا صدق النية والعزيمة يارب
    اللهم آمين

    مشهد رائع بصياغة رائعة

    ReplyDelete
  4. مجداوية..
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
    صدقت.. اللهم آمين.
    جزاك الله خيرا
    تقبلي تحياتي..

    ReplyDelete
  5. مقال رائع ..

    مافي أجمل من الاستشهاد في سبيل الله ..

    ربنا يرزقنا الشهادة على أرض الغالية فلسطين .. أرض الرباط .. " الفرصة كبيرة بالشهادة هنا :) " ربنا كريم واحنا بنستاهل !!

    أقسَمتِ يا نَفسُ لتَنْزِلَنَّهْ *** لتَنْزِلَنَّ أو لَتُكْرَهَنَّهْ
    إن أَجلَبَ الناسُ وشدُّوا الرَّنَّة *** مالِي أراكِ تكرهين الجَنَّةْ
    يا نفسُ إلاَّ تُقتَلي تموتِي *** هذا حِمَامُ الموتِ قد صُلِّيتِ
    ما تمنيتِ فقد أُعطِيتِ *** إِن تَفعَلي فِعْلَهُما هُدِيتِ

    ReplyDelete
  6. وجع البنفسج..
    نعم والله فأنتم في أرض الرباط، ثبتكم الله وأثابكم عن جميع المسلمين خيرا..

    تقبلي تحياتي..

    ReplyDelete
  7. جزاك الله خير أخوي بهاء,,, طلبتني والدتي أن ابحث عن أبيت قصيدة عبدالله بن أبي رواحة وو جدتها هنا..... يعطيك العافية و يبارك فيك ويكثر من أمثالك

    أوصيك بالإخلاص في العمل ولا يكون همك تعيقات القراء
    :)

    ReplyDelete
  8. أخي الحبيب/ محمد العامري...
    أهلا وسهلا بك هنا..
    أسعدني جدا أن ساهمت بما نشرته هنا في المدونة في معرفة أحد ما بصفحة مشرقة من تاريخ إسلامنا الرائع.
    صدقني يا أخي.. هذا هو السبب الأساسي الذي أداوم فيه على الكتابة في المدونة.. أن يكون فيها ما يمكن أن ينفع الناس.. يوما ما.
    وصيتك أثمنها وأرفعها فوق رأسي.. وإن شاء الله أعمل بها.
    جزاك الله خيرا..
    لا تنقطع عنا.

    ReplyDelete
  9. مش بس الواحد يقول لنفسه الكلام ده و هو بيحارب فقط ... بل احيانا بتيجي في بالي الجملة دي .. لما يكون في فرض او شئ لازم يتعمل و الواحد مكسل ..

    هي فعلا كلمات حماسية لاي موقف ...

    -----
    جزيت خيرا على التذكرة

    ReplyDelete
  10. الأخت الفاضلة/ ذات النطاقين...
    صدقت في كلامك، فمثل هذه الكلمات كفيلة بتحريك الهمم تجاه كل خير، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا.
    تقبل خالص تحياتي...

    ReplyDelete
  11. رحم الله صحابة رسول الله والحقنا بهم فى الفردوس الأعلى
    سردك رائع ... أحسنت
    تحياتى المعطرة

    ReplyDelete
  12. أخي الحبيب/ مسلم مصري...
    نورتني والله بتعليقك الجميل...
    جزاك الله خيرا.

    ReplyDelete
  13. تسلم كتير يا غالي
    جزاك الله خير

    ReplyDelete
  14. قصيدة رائعة نسأل الله الشهادة في سبيله

    ReplyDelete

أسعدني تشريفك، وبلا شك سيسعدني أكثر تعليقك، فلا تبخل به:)