الحُسنُ تاجُكْ

اشتقت كثيرا للشعر، فقد سرقت منا الأيام خلال الفترة الماضية الكثير من الوقت والمجهود، وصرفتنا عن الاستمتاع بكثير من متع الحياة بسبب إيقاعها السريع ونوائبها المتتالية، وها أنا أعود اليوم للشعر بنشر قصيدة قديمة كتبت منذ سنوات طويلة، أرسم فيها الكثير من الصور الشعرية وأتقلب فيها بين أزمنة تلك الصور. 

****  ****  ****  ****  ****

يَا مَنْ تَتُوقُ لكَ العُيُونُ لتلْمَحَكْ **** مِن أَيِّ آَيٍ لِلجَمَالِ تَأَلقَكْ 

ولأيِّ وَجْهٍ للحِسَانِ تشَبُّهكْ **** وإلامَ يُعْزَى سِرُّ رَوْعَةِ مَنظَرِكْ 

يا فَاتِنًا لُبَّ النِّساءِ إلى الأَبَدْ **** يا شَاغِلًا قلْبَ الرِّجالِ بِمَشْهَدِكْ 

أيُّ الصِّحَافِ عَلى رِدَائِكَ تَنْفَرِدْ **** أَيُّ المَخَامِلِ فَوقَ جِسمِكَ تَسْتُركْ

أيُّ المَزَاهِرِ حَولَ خِصْرِكَ تَزْدَهِي **** مَرْحَى لَهَا وَلِمَنْ يُحِيطُ بِشَاطِئِكْ 

ومَن الذي حَلَّى شِفَاهَكَ بالعَسَلْ **** أَوَ سَلْسَبيلٌ في عُذُوبَةِ مَبْسَمِكْ 

يَوْمٌ على شَطِّ الجَمَالِ لَهُ العَجَبْ **** مَنْ ذا الذي يَهوَى الحِسَانَ ويَترُككْ 

يومٌ على وقتِ العصَارِي بدايَتَهْ **** جِئنَاكَ نَسْعَى كَي نُشَاهِدُ جنَّتكْ 

هَلَّتْ حمَامَاتُ السَّلاَمِ مُرَحِّبَة **** خَدَمٌ أحَاطُوا حَوْلَ طَاقَةِ مجْلِسكْ 

والصَّاري يُسرِعُ لِلمَراسِي قَبْلَمَا **** تَأْتِي الدَّقَائِقُ بالظَّلامِ لِلَيْلَتِكْ 

واللَّيلُ إذْ يَغشَى يزيدُكَ فتنَةً **** وَقتَ الغُروبِ فتحْلو رُؤيةَ صَفْحَتِكْ 

والشَّمسُ تبكِي فِي فُرَاقِكَ بالذَّهَبْ **** مُتَنَاثِرًا فَوقَ المِيَاهِ يُزَيِّنُكْ 

والأُفْقُ يَنْظُرُ مِن بعيدٍ كَي يَرَى **** وَبِريشَةِ الفَينَانِ يَبْدَأُ يَرْسمَكْ 

تَمشِي فَتَسْرِقُ في هُدُوءٍ قَلبَنا **** تَتَهادَى في رِفقٍ بِروْعةِ مشْيَتِكْ 

حتّى إذا هَلَّ المَسَاءُ بِهِ القَمَرْ **** زَادَتْ على وَجْهِ المِياهِ نَضَارَتَكْ 

كَلِقَاءِ عُرْسٍ بينَ قَمَرٍ عَاشِقٍ **** والنِّيلُ أقْرَبُ مِن عَرُوسٍ للمَلَكْ 

والرِّيحُ تَحمِلُ فَوقَ ثَوْبِكَ مَوْجَةً **** تَمشِي لتَأْتِي مِن جَدِيدٍ مَوجَتُكْ 

تَمضِي الثَّوَانِي في هُدوءٍ بالزَّمَنْ **** لا يَمضِي مَعَهَا مَن يُطالِعُ لَوْحَتَكْ 

حَتَّى يَهِلُّ الوَقْتُ فِينَا بِالسَّحَرْ **** والحُسْنُ تَاجُكَ والوَقَارُ وَهَيْبَتُكْ 

لا صَوْتَ يَحْلُو غَيْرَ صَوْتِكَ عِنْدَمَا **** يُصْغِي إِلَيْكَ الوَاقِفُونَ بِضِفَّتِكْ 

فَتُسِرُّهُمْ أحلَى أحَادِيثِ الهَوَى **** مَنْ كانَ يَهْوَى قَدْ تَحَوَّلَ يَعْشَقُكْ 

والفَجْرُ أَذَّنَ في وُجُودٍ قَدْ سَجَدْ **** والنَّاسُ تَدْعُو كَي يَدُومَ تدَفُقَكْ 

حَتَّى إذَا عَادَتْ إِليكَ بِبَسْمَةٍ **** شَمْسُ النَّهَارِ لِكَيْ تُشَاهِدَ صُورَتَكْ 

تَبكِي على عَدَمِ الحُضُورِ بِلَيْلَتِكْ **** وَتَوَدُّ أَنْ تُحيِي بِنُورِهَا بَهْجَتَكْ 

وتَنَاثَرَتْ كالمَاسِ فَوقَكَ فِي أَلَقْ **** أَطْيَافُ شَمْسٍ في صَبَاحِكَ تَصْقُلَكْ 

يَأتِي إلَينَا في صَبَاحِكَ قُوتَنَا **** والرِّزْقُ جَاءَ مَعَ المِيَاهِ بِرِحْلَتِكْ 

يا نيلُ يا سِرَّ الحياةِ بِأَرْضِنَا **** إنْ كُنتَ رَاضٍ أو تَفيضُ بِغَضْبَتِكْ 

عَلَّمْتَنَا معنَى الصّرَامَةَ والجَلَدْ **** مِن رَبْطِ جَأْشِكَ رُغْمَ وَحْشَةِ سِكَّتِكْ 

ووَهَبْتَنَا رُوحًا أَخَفَّ مِنَ النَّدَى **** والسِّرُّ يكْمُنُ في دَوَامِ تَجَدُّدكْ 

والحُبُّ يَسْرِي في دِمَانَا كُلِّنَا **** عَلَّمْتَنَا إيَّاهُ طِيلَةَ لَيْلَتَكْ 

ذَكَّرْتَني - أَنَّى نَسِيتُ - أحِبَّتِي **** وَأَرَيْتَنِي مَاضٍ سَلانِي بِرُؤْيَتِكْ 

ونَبَشْتَ في قَبْرٍ قَديمٍ لَمْ يَزَلْ **** أصحَابُهُ لَمْ يَستَرِيحُوا بِمَطْلَعِكْ 

لكنَّ روحَكَ عَاهَدَتْنِي بالأَمَلْ **** ولَسَوْفَ أبقَى مِثْل عَهْدِي أُصَدِّقُكْ 

سَأَعُودُ يَومًا فَوقَ ثَغْرِيَ بَسمَةٌ **** عَلِّي بذلكَ قَدْ أُسَرُّ وَأُفْرِحُكْ 

كتبت في 12/12/1999

حقوق الطبع والنشر محفوظة