Sunday, July 1, 2012

عند مشارق الأرض (الأخيرة).. تايوان ورحلة العودة

هبطت بنا الطائرة في مطار تايبيه بعد الظهر بقليل، نفس الوجوه ونفس الملامح الصينية المشهورة، لا جديد، حتى عندما خرجنا من المطار في طريقنا إلى محل إقامتنا في الجزء القديم من المدينة، كانت الشوارع والطرقات شبيهة جدا بالطرق في الصين.
الطبيعة الخلابة.. قاسم مشترك بين بلدان شرق آسيا
لفت نظري في هذا البلد تشابه العادات الغذائية مع ما شاهدناه في هونج كونج، فالطيور المطهية معلقة في واجهات المطاعم من رقبتها ورؤوسها متدلية بشكل لم نألفه في بلادنا، كما أنني لاحظت أن طعامهم بعيد نسبيا عن موضوع الديدان الذي شاهدناه في الصين!
كمية كبيرة من الدراجات البخارية تشاهدها في كل الشوارع، ربما أكثر مما شاهدناه في الصين!
الدراجات البخارية في تايوان.. ربما أكثر من عدد السكان!
مكثنا هناك حوالي ثلاثة ايام، وكانت أياما مزدحمة جدا بالعمل، لم تتح لنا فرصا كبيرة للتنزه في البلد والتمتع بجمالياتها.
وانتهت رحلتنا في هذه المدينة، حيث بدأنا بعد ذلك رحلة العودة الطويلة إلى الوطن، رحلة العودة التي سنسافر فيها من تايبيه إلى هونج كونج ثم بعد ساعتين في الطار سنسافر من هونج كونج إلى الدوحة، وسنمكث قرابة ست ساعات في أحد فنادق الدوحة قبل أن نسافر عائدين من الدوحة إلى القاهرة!
والحقيقة أن تلك الرحلة الطويلة التي صحبتكم فيها كانت أسوأ رحلاتي خارج مصر على الإطلاق من عدة نواحي، فقد كانت مضغوطة جدا وبدون أي قسط من الراحة طوال الرحلة، ولم يكن تنظيم العمل فيها جيدا، بالإضافة إلى أن حجم الاستفادة العلمية والفنية منها جاء ضعيفا للغاية برغم المجهود العصبي والذهني الشديد الذي صاحبها، وكان للشركة التي أعمل بها دخل كبير في أن تخرج هذه الرحلة بهذه الصورة، وهي من بين السلبيات الكبرى التي أعاني منها (بصراحة) في مجال عملي، وليس هذا مجال الحديث، ولكني شعرت برغبة في التنفيس!
في طريق عودتنا، وأثناء انتظارنا في صالة السفر بمطار الدوحة، ذهبت أنا وصديقي أشرف لأداء الصلاة في المسجد بصالة السفر، وبعد أن أدينا الصلاة، وجدنا حلقة صغيرة من بعض الشيوخ عددهم حوالي أربعة أو خمسة وكأنهم في درس علم، فأشرت على صاحبي بأن ننضم إليهم، فقد اشتاق القلب إلى مظاهر الإسلام بعد هذه الرحلة المرهقة التي تعرضنا فيها لكثير من الاختلاط بجوانب الحياة غير الإسلامية.
جلست أنا وصاحبي نستمع إلى كلام أحدهم، فإذا بهم مجموعة من الشيوخ من الكويت التقوا ببعض الشيوخ الآخرين من قطر، وهم جميعا الآن بانتظار الطائرة المتجهة إلى روما!
لماذا هم ذاهبون إلى هناك؟ كان هذا هو التساؤل الذي تبادر إلى أذهاننا بعد الاستماع لحديثهم.
كانت إجابتهم جديرة بالاعتبار!
إنهم مسافرون إلى هناك للدعوة إلى الله، فقد تكلم أحدهم ووضح أن كل المسلمين في كل مكان وزمان مطالبون بممارسة الدعوة إلى الله، بأفعالنا وتصرفاتنا التي يجب أن تكون مطابقة لتعاليم الإسلام، قبل أن يكون بغزارة علم أو يقدرة على الجدال والتنظير.
دعوة إلى الله؟ وأين؟ في روما؟ يا له من عمل صعب! إنهم كمن ينحت في الصخرأو من يحاول أن يحرك جبلا!
وكان من بين ما تكلم به من تكلم في هذا الموضع، استشهاد بقصة سيدنا ابراهيم عليه السلام، حينما أمره الله بالنداء والأذان في الناس كلهم بالحج، وكان ذلك في مكان لا يوجد فيه أي بشر وفي زمان قبل فرض الحج على المسلمين بآلاف السنين، وباستثناء ما في ذلك من معجزة إلهية، فقد تكفل الله تعالى بإيصال ندائه وأذانه إلى البشر من المسلمين، فنرى سنويا ملايين من هؤلاء البشر يلبون ذلك النداء الذي لم يسمعه أحد إلا الله، ولكن الله كفيل بالبلاغ: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتون من كل فج عميق"، وقياسا على ذلك فهم يتوجهون بنية خالصة لله إلى البلاد يقومون فيها بالدعوة إلى الله بأفعالهم وأخلاقهم أولا وعبر دعم المنظمات الإسلامية الموجودة في تلك البلاد ثانيا.
بصراحة أعجبني منطقهم، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أحتك فيها بهؤلاء القوم الذين عرفت فيما بعد أنهم يتبعون جماعة "التبليغ والدعوة"، ورأيت أن أعرض تجربتي معهم من باب أن ما استمعت إليه منهم ومن منطقهم كان فيه جوانب إيجابية مع علمي بوجود كثيرون ممن قد يختلفون معهم، ولكن "ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا".
سبحان الله، وهل انتشر الإسلام في البلاد التي كنت فيها إلا بمثل هذه الطريقة، فقد كانت أخلاق التجار المسلمين الذين كانوا يتعاملون مع أهل شرق آسيا والصين والهند وشرق أفريقيا سببا في دخول الإسلام إلى هذه البلاد، وكنتيجة لذلك، فإن أكبر دولة إسلامية في العالم حاليا من حيث عدد السكان هي إندونيسيا في شرق آسيا!
نسيت أن أذكر لكم أنني أثناء إقامتي في هونج كونج، حيث كنا نتناول الطعام في مطعم تركي، فوجئنا بصاحب المطعم يخبرنا بوجود مركز ثقافي إسلامي يقوم على إدارته مجموعة من المصريين! اصطحبنا إلى هناك، حيث قابلنا فعلا أحد المصريين المشرفين على المركز (وهو بلحية طويلة!) يقدمون دورات تدريبية للتعريف بالإسلام في هونج كونج!
وقبل أن أختم هذه الرحلة، هذه نصيحة أطلقها من هنا لله، لكل من هو مسافر إلى بلاد غير إسلامية، كن داعيا إلى الله بأخلاقك، حاول الالتزام بتعاليم دينك، كن على يقين أن تصرفاتك الإسلامية هي أقوى الوسائل التي يمكن أن تدعو بها إلى دين الله، أقوى من ألف محاضرة لألف عالم أو فقيه، وهنيئا لك إن أضفت نية الدعوة إلى الله إلى نية السفر لغرض دنيوي، ولن تخسر شيئا!
عندما وصلت إلى بيتي، كان هناك احتفال من نوع آخر في استقبالي، فقد كانت ابنتي الصغرى بانتظار شنطة السفر حتى تمارس فيها هوايتها المفضلة في التدمير والتخريب!
"هاجر".. واحتفال ذو مذاق خاص!

17 comments:

  1. ماشاء الله لاقوة الا بالله
    بارك الله لك فى اولادك وانبتهم نبات حسن وجعلهم من الصالحين
    صورتها زى السكر ماشاء الله عليها

    وحمد لله على سلامتك اخى وموفق دائما
    واستمتعنا معك فى رحلتك الرائعة الجميلة بارك الله فيك

    تحياتى وتقديرى

    ReplyDelete
  2. ماشاء الله لاقوة الا بالله

    اجمل ماختمت به رحلتك الجميلة

    هي الجميلة هاجر حفظها الله لك

    وحفظك لها

    تحيتي اخي الرائع

    ReplyDelete
  3. ربنا يبارك فيها و يحفظها
    صدقت في نصيحتك
    و شكرا لك انك نقلت لنا رحلتك بالكامل حتى شعرنا اننا هناك
    تحياتي

    ReplyDelete
  4. أختي الفاضلة/ أم هريرة..
    جزاك الله خيرا على دعائك الطيب ومتعك دائما بالصحة والعافية ورزقك بما يقر عينك من متع الحياة الدنيا.
    أسعدتني بتواجدك الدائم والعطر في المدونة طيلة الرحلة.
    تقبلي تحياتي..

    ReplyDelete
  5. صديقي العزيز/ سواح في ملك الله (خالد)..
    جزاك الله خيرا.. ولك من الدعاء مثله أن يحفظ لك أبناءك ويقر عينك بهم.
    حمدا لله على سلامتك... وحشتنا!
    تقبل خالص تحياتي..

    ReplyDelete
  6. أخي الغالي/ مصطفى سيف الدين..
    عقبال ما تشوف!
    جزاك الله خيرا..
    أتمنى فعلا ألا أكون قد أثقلت عليكم في هذه السلسلة، ولكن صدقني فقد استمتعت بكتابتها أكثر من استمتاعي بالرحلة ذاتها!
    تقبل تحياتي..

    ReplyDelete
  7. بسم الله وبعد
    لقد استمتعنا برحلتك الجميلة ونسأل الله عز وجل أن يبارك لك بأولادك .. كم هي جمية إبنتك ما شاء الله
    تحياتنا واحترامنا وتقديرنا لك

    إخوانك في الأسرة المسلمة ( مازن وأحلام )
    islamicfamily.net.tc

    ReplyDelete
  8. حمدا لله على سلامتك أخي بهاء.
    رحلة ممتعة، وغن كان بها ضغط لكنها مفيدة حقا، سواء لك أو لنا كقراء تعرفنا من ى خلال سردك على أشياء كثيرة.

    بخصوص الدعوة أنا أتفق معك في كون المسلم المسافر سفيرا للإسلام فما انتشر الإسلام في افريقيا وغيرها من البلدان إلا عن طريق التعامل والمعاملات، وطبعا دعو الحال أبلغ من دعوة المقال. أما عن جماعة الدعوة والتبليغ فهم يخرجون فيما يسمى الخروج في سبيل الله، وطبعا يطوفون أنحاء العالم للدعوة إلى الله، سواء اختلف معهم البعض أو اتفق تبقى النية أبلغ من العمل.
    تحيتي لك أخي الكريم.

    ReplyDelete
  9. إخواني الأعزاء/ مازن وأحلام الرنتيسي (الأسرة المسلمة)...
    جزاكم الله خيرا على تفاعلكما الطيب..
    حاولت زيارة موقعكما الجديد (الأسرة المسلمة) ولكنني وجدته لا يعمل!
    تقبلا تحياتي..

    ReplyDelete
  10. أخي الفاضل/ أبو حسام الدين..
    ولا يهمك يا سيدي.. نحن نتعب وأنتم تقرأون النتيجة على الجاهز :)))
    جميلة جدا عبارتك: "دعوة الحال أبلغ من دعوة المقال" فقد لخصت كل ما كنت أريد أن أقوله.
    لقد أشرت هنا إلى تلك الجماعة التي تعرفت على بعض أفرادها وطريقة عملهم لأول مرة خلال تلك الرحلة، وأنا من مؤيدي مبدأ ذكر محاسن القوم والسكوت عن سيئاتهم بصفة عامة (إلا عند الضرورة)، وهو مبدأ أتبعه مع أي جماعة أو قوم من الأقوام الذين أتعامل معهم.
    تقبل تحياتي..

    ReplyDelete
  11. عودة ميمونة رحالتنا الكبير و حمدا لله على سلامتك
    تبقى الاسفار مدرسة متميزة رغم المشاق و الصعاب
    لقد استمتعت معك و عشت معك لحظات في عدة بلدان
    شكرا لك
    تحياتي اخي محمد

    ReplyDelete
  12. عزيزي وأخي الغالي/ د.محمد أبو عز الدين...
    رحالة.. وكبير... مرة واحدة؟!
    إنما هي بعض الأسفار التي أحب أن أمارس فيها هوايتي في الكتابة وتسجيل الملاحظات، وأسعد كثيرا بأن أجد من يقدرها ويستمتع بها مثلك ومثل كل أصدقائي هنا..
    جزاك الله خيرا على كلماتك وشعورك الطيب.
    استعد فهناك رحلة أخرى قادمة على الأبواب!
    تقبل تحياتي..

    ReplyDelete
  13. أخى الكريم : بهاء
    بارك الله فيك وأعزك
    استمتعت معك فى رحلاتك وأسلوبك المشوق والرائع
    وأحييك على نصيحتك القيمة لكل مسلم يذهب إلى بلاد غير إسلامية هو حقاً فى هذه الحالة سفيراً للمسلمين والإسلام ولابد أن يكون نعمة القدوة الطيبة.
    أخى أدعو الله أن يبارك لك فى ابنتك الصغرى هاجر وفى أسرتك الطيبة

    ReplyDelete
  14. أستاذي العزيز/ محمد الجرايحي...
    جزاك الله خيرا على كلماتك الطيبة والمشجعة..
    بصراحة أستاء جدا عندما أرى من يسيء إلى سمعة ديننا بتصرفاته سواء داخل بلادنا أو خارجها، ولكن في الداخل يمكننا احتواؤها وتفهمها (أحيانا) أما في الخارج فيجب أن يتم الانتباه إلى أننا فعلا وكما قلت سفراء للإسلام.
    لك أرق التحية مرسلة من هاجر وأبيها!

    ReplyDelete
  15. Dank den Themen .... Ich hoffe, mehr von den Themen

    ReplyDelete

  16. مدونة مميزة
    كل تقدير واحترامى لكم ... :)

    ReplyDelete

أسعدني تشريفك، وبلا شك سيسعدني أكثر تعليقك، فلا تبخل به:)